مازن معروف: الجائزة تحيي فنًا منسياً ومنفاي يتّسع لشخص واحد
اسكندر حبش
حين صدرت مجموعة «نكات للمسلحين» (منشورات رياض الريس) لمازن معروف، لفتت الأنظار اليها بسرعة، لكونها تحمل رؤية كتابية جديدة وتفكيراً مغايراً لمعنى القصة القصيرة. الاثنين الماضي، حاز مازن معروف «جائزة الملتقى» (في الكويت) للقصة العربية القصيرة، وهي الجائزة التي أعلن عنها قبل عام تحديداً، والتي تشكلت بمبادرة من الملتقى الثقافي الذي يديره الكاتب طالب الرفاعي، والجامعة الأميركية في الكويت.
جائزة تعيد الاعتبار لهذا النوع الأدبي الذي يبدو منسياً أو مهمشاً من الساحة الأدبية، وهي تطمح – أي الجائزة – أن تعيد بعض ألق لأصوات يفرض عليها الغياب، كما لأصوات جديدة مقبلة. في أي حال، لنا عودة الى تفاصيل الجائزة في عامها الأول، إذ نترك الكلام الآن لمازن معروف، كي نحتفي معه بجائزته.
لا يسعنا البدء بهذا الحديث إلا بالتهنئة على فوزك بـ «جائزة الملتقى» للقصة العربية القصيرة. مذا تعني لك هذه اللحظة بالذات؟
ـ لهذه الجائزة معنى خاص يتعلق بكون أن هذه القصص مكتوبة من ذاكرة الحرب اللبنانية. أشعر أنني استعدت جزءاً من بيروت التي فقدناها في السنوات التي تلت انتهاء الحرب. بيروت تلك ـ وأقول بصراحة ـ التي عملت على إعادة تصويرها من خلال بناء واقع موازٍ للواقع اللبناني الأليم وشخوصه المأزومة التي برأيي لم تخرج من لعنة الحرب إلى الآن. أشعر بأنني أتقاسم هذه الجائزة مع كل المهجّرين الذين كانوا جيراني في بيروت خلال سنيّ الحرب.
أن تكون فلسطينياً في بيروت لا يشبه أن تكون فلسطينياً في فلسطين أو أراضي السلطة. لا ملامح لفلسطين بالمعنى الكلاسيكي أو الخطابوي في هذه القصص، وهذا لأني أردت أن أكون أميناً لذاكرتي اللبنانية أو ذاكرة الفلسطيني الذي عاش خارج المخيم وخارج مسوخ الايديولوجيا التي لطالما أطبقت بيديها على رئتي الإنسان الفلسطيني.
هو انتصار للقصة القصيرة العربية التي تشكل أحد أحجار بنية السرد في كتاب مثل ألف ليلة وليلة والذي هو كتاب قصصي برأيي. هو انتصار لهذا الفن الصعب والشاق والذي تستلزم الكثير من الأعصاب والمخيلة إذا ما أردنا أن نخرج من هذا الواقع الفج نحو جماليات أدبية جديدة.
من الشعر إلى القصة القصيرة، أين المسارات المتقاطعة في تجربتك الكتابية؟
ـ أظن أن الأمر يتعلّق بما قدّمته لي القصيدة على مدى سنوات. لقد تأثّرت شعرياً بجيل من الشعراء الذين كتبوا ما بعد الحرب، شعراء التسعينيات واطلعت على تجارب الجيل الأسبق بسنوات أي الجيل الذي عاش الحرب وشاهدها – وأقصد بذلك جيل الثمانينيات – وخرج بأدوات وعي كانت مثل شواهد على مرحلة كتب لها أن تُطمس في وقت قياسي. من هؤلاء الشعراء بدأت أرى المدينة بعين مختلفة وتمكّنت من التسلل إلى سطح ما تحت أرضي، كان يستطيع أن يمزج البصري بالتجريدي ويخرج بواقع مفخخ بالسوريالية. أظنّ أنني هكذا كوّنت أدواتي السردية بالتمرن شعرياً على السرد وهذه السوريالية هي التي بقيت معي عندما توقفت عن كتابة الشعر وانتقلت إلى المعالجة السردية.
انحزت بعد القصيدة إلى نوع أدبي، يعتبر أنه «على تراجع» أو لم يعُد يشكل المشهد الأمامي. كيف ترى إلى الأمر؟
ـ أوافقك تماماً، القصة القصيرة تشبه فناء خلفياً لقلعة قد تكون هشة بعض الشيء، هذا الفناء بسريته وإمكانيات البحث فيه عن مواطن جماليات جديدة. عمدت إلى التسلل نحوه والإقامة فيه، لم أفكر بمقتضيات السوق العربية ولم اضع القارئ حكماً على خياراتي. من هذا المنطلق وجدتني أبحث بشكل متخفّف، ونسبياً حر، عن إمكانات جديدة في السرد وإمكانات جديدة في النفاذ إلى الواقع المأزوم في ذاكرتي. أظنّ أن الجائزة ستؤسس لمرحلة جديدة من القصة القصيرة العربية وآمل أن تخرج إلينا بأصوات غير مالوفة وأصـــيلة وفي الوقـــت عينه تستفز مخيلـــتنا أكثر فأكثر.
هي احتفاء بالقصة القصيرة العربية واحتفاء بكتّاب هذا الفن المنسيّ لسبب أو لآخر. لقد بعثوا اليوم من جديد، أشعر بذلك، وهذه إضافة جميلة إلى المشهد الأدبي العربي الذي أصبح بحاجة إلى تنفّس هواء جديد.
غادرت بيروت إلى ايسلندا وتعيش اليوم متنقلاً بين عواصم عربية وأوروبية عدة. هل هو شتات فلسطيني آخر؟
ـ عندما وصلت إلى ايسلندا شعرت بأنني أصبحت أكثر بعداً عن فلسطين وكانت تجربة مخيفة بالنسبة إليّ وخطيرة للغاية بسبب أني كفلسطيني قد دفعت إلى بقعة بعيدة جداً من العالم، بدلاً من أن أكون أقرب إلى الأرض التي دفعت بيروت بالتحديد ثمناً كبيراً لنصرتها.
هو لا شك شتات جديد، شتات اختياري، متصل أو له علاقة بخياري ووعيي بالمكان والقضية. لكنه يدلّ على أن ثمة مأزقاً يعيشه فلسطينيو الشتات كما لو أنّهم متروكون لأقدارهم الفردية ومنافيهم التي تتّسع لشخص واحد فقط.
(السفير)