‘السبع بنات’ من السينما إلى الدراما: نجاح أم فشل

سارة محمد

سوف تظل لفيلم “السبع بنات” لمخرجه عاطف سالم مكانة خاصة في ذاكرة الجمهور الذي طالما داعب عقله مشهد الطفلة الصغيرة إكرام عزو، وهي تخطف قطعة الحلوى في أثناء وجود عريس شقيقتها، أو مشاهد شقاء الأب الموظف البسيط منصور أفندي (حسين رياض) الذي يأخذ بناته السبع إلى أحد محال الملابس لشراء أغراضهن المدرسية، وسط الكثير من المفارقات الكوميدية.

وفي مسلسل “السبع بنات” لمخرجه محمد النقلي الذي بدأ عرضه مؤخرا على إحدى الفضائيات المصرية، يقترب المؤلف أحمد صبحي من هذه التركيبة الاجتماعية التي تجمع بين لحظات الأمل والعاطفة والطموح، في محاولة لاستعادة روح وملامح الفيلم الشهير، مع صياغتها في صورة أحداث تقترب من الواقع المعاصر، لكن بخيوط أكثر تشعبا، في حلقات سوف تمتد على مدار شهرين من العرض، بما يعادل 60 حلقة.

في البداية، لا بد من الإشارة إلى منتج العمل ممدوح شاهين، فليست هذه هي المرة الأولى التي يعلن فيها اهتمامه وتأييده للمرأة وقضاياها وأصبح تاريخه الإنتاجي مليئا بهذه التجارب النسائية، ومنها ما يعرض حاليا في نفس توقيت عرض “السبع بنات”، وهو مسلسل “ستات قادرة”، ومن قبلها “جراب حواء”، و“المطلقات”، و“ألوان الطيف”، و“الزوجة الرابعة” و“قلوب”.

شاهين أصبح بذلك المنتج الوحيد على الساحة الفنية الذي يقدم مثل هذه النوعية من الأعمال الاجتماعية النسوية، ليخلق لنفسه طريقا مختلفا عن التجارب الإنتاجية التي غرّبت المشاهد المصري عن الواقع الذي يعيشه، رغم ما حدث بفن الدراما من تطور على مستوى التقنيات وجرأة المواضيع.

والأهم في الأعمال التي ينتجها ممدوح شاهين الاهتمام بالمرأة المنتمية إلى الطبقة الفقيرة، أو المتوسطة بالأساس، بينما تكون المرأة “الأرستقراطية” جزءا من خلفية العمل على عكس الكثير من المسلسلات التي يتم فيها تقديم المرأة الغنية كبطلة للعمل.

ومع ذلك فالملاحظ في أعمال شاهين ذلك الفقر الإنتاجي، حيث لا توجد “ديكورات” مبهرة ولا تصوير بتقنيات عالية الجودة، وربما كان هذا ذكاء من المنتج من أجل توفير النفقات، إذ أن تصوير بيئة النساء الفقيرات لن يتطلب ديكورات غالية الثمن.

عدم الإبهار يتيح للمنتج فرصة حضور أعماله الدرامية على مدار أشهر العام كلها، وليس في شهر رمضان فقط، وهو ما حدث بالفعل خلال العامين الأخيرين ما جعل شاهين مكتسحا بقوة سوق الدراما المصرية، رغم كثرة الأزمات الإنتاجية المتكررة مع نجومه.

كما أن اهتمام شاهين بالدراما النسائية، يأتي في إطار أن المرأة صاحبة المشاهدة الأكبر للتلفزيون، وبالتالي فإن حصيلة العوائد الإعلانية ستكون صاحبة النصيب الأعظم.

المسلسل يدور حول حكاية سبع شقيقات لأب استسلم لقبضة الوظيفة الحكومية، فظل الفقر ملازما لحياته، إلاّ أن إحدى البنات “أيتن” تتمرد على تلك الحياة الفقيرة، وهذه البنت هي ابنته من زوجته الثانية التي تركته وتزوجت من آخر أكثر ثراء.

أما شقيقة “أيتن” الصغرى فترفض ترك منزل الوالد في إحدى الحارات الشعبية، وتقرر التعايش مع شقيقاتها الخمس الأخريات من الزوجة الأولى المتوفاة والتي لم تكن أمها.

الأخت الكبرى “كاميليا”، التي تجسد دورها الفنانة علا غانم، هي أرملة تعيش تأزما في مواجهة الحياة بسبب هذا الوضع الاجتماعي، وتعيش في ذكريات الماضي، حينما رفض والدها تزويجها للحبيب الأول.

كاميليا تنهض بدور الأم التي ماتت من حيث رعاية الشقيقات والاهتمام بمشكلاتهن، ونصحهن في بعض الأحيان، وهي شخصية تعادل مثيلتها التي سبق وقدمتها الفنانة نادية لطفي ضمن أحداث فيلم حسين رياض.

و“مروة” التي تجسد دورها الفنانة إيمان العاصي تبدو ملامحها تتشابه مع الشخصية الاستغلالية المتمردة على فقرها التي قدمتها “السندريلا” سعاد حسني بالفيلم، وهي فتاة محملة بالكثير من الغرور بالذات والثقة الزائدة في جمالها وذكائها، اللذين سوف يمكنانها من تكوين الثروة.

وفي المقابل، كان من غير المنطقي وسط هذا الفقر الذي تعيشه الفتاة أن تظهر بشعر أشقر مثل الأجانب، بينما شقيقاتها الأخريات ظهرن بألوان شعر طبيعية تتطابق مع الحالة التي يعشنها، وليس هذا فقط، بل إن مروة ظهرت في أحد المشاهد، وهي تتحدث في هاتف محمول من أغلى ماركات الهواتف الشهيرة بالعالم وهو ما لا يتوافق مع المستوى الاجتماعي الذي تعيش فيه.

وبالنسبة إلى الشقيقات الأخريات فيتنوعن في أفكارهن وطموحاتهن، ومنهن واحدة قامت بدورها الممثلة التونسية فريال يوسف وتحلم بمقابلة الحب وتعيش في عالم أشعارها التي تكتبها، وأخرى تجسدها ريم البارودي وهي فتاة ترتدي ثوب الرجال من أجل لقمة العيش، حيث تعمل مندوبة مبيعات وهناك أيضا شخصية الفتاة القنوعة التي تجسد دورها الفنانة تارا عماد والتي تعاني من مرض الصرع وتخشى مواجهة الحياة والاحتكاك بالمجتمع.

أما الأب، فيبدو أن رحيله بعد الحلقة الثالثة إثر تدهور حالته الصحية أشعل الصراع بين الشقيقات حول الميراث، كما أنه زاد من حجم الفجوة بينهن، لكنه بالتأكيد سيكشف عن الكثير من الأزمات النفسية والاجتماعية التي يتعرضن لها.

وعلى جانب آخر يرصد المؤلف إحدى القضايا الذكورية المنتشرة على الساحة، ممثلة في بطالة الشباب والتي تدفعهم إلى الهجرة غير الشرعية، ويظهر ذلك في شخصية “أحمد”، التي يقدمها الفنان محمد نجاتي، وهو “ابن عمة” الشقيقات السبع، هذا الشاب الذي يرفض الرضوخ لقبول الوظيفة الحكومية ويخرج للبحث عن فرصة أوسع للرزق.

كاتب السيناريو أحمد صبحي، أراد من خلال التركيبات التي قدمها في المسلسل، تقديم ثيمة مختلفة عن أحداث الفيلم، من خلال إضافة الكثير من التفاصيل والأحداث للفتيات، خصوصا وأن فيلم “السبع بنات” ارتكز بالأساس على شخصيات ثلاث شقيقات فقط، هن نادية لطفي، وسعاد حسني وزيزي البدراوي لارتباط الفيلم بمدة زمنية محددة للأحداث بعكس المسلسل الذي يحتاج إلى ملء ساعات أكبر.

ولم يقتصر الاقتباس في المسلسل على فيلم “السبع بنات” وحده، بل امتد الاقتباس إلى “أفيش” العمل (لوحة الدعاية للمسلسل)، الذي تتصدره البطلات بالملابس السوداء والذي جاء شبيها بأفيش مسلسل “أريد رجلا”، باستثناء وجود بطل العمل متوسطا بطلاته من النساء.

العودة إلى “القديم” قد تكون مطلوبة أحيانا، لكن بشرط أن ينجح “الجديد”، في تقديم رؤية مختلفة، تلائم الواقع الحالي، فهل نجح المسلسل في ذلك؟

(العرب)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى