‘ذئاب منفردة’.. متعة الاكتشاف في وسط الانهيار الكوني

طاهر علوان
يجسد فيلم “الذئاب المنفردة” لمخرجه كريس جاكوب، وهو أيضا كاتب السيناريو، واقع الامتحاء الكامل للوجود البشري، وهنا سوف نبحث عن ناجين تتبلور حولهم الدراما الفيلمية. فعلى ذلك الامتداد الفسيح سوف يطلّ محارب عنيد هو جيمس كورنوي (الممثل وارين أوتيرا) الذي يجد نفسه قرب قاعدة لاسلكي مهجورة، وعليه تخليص نفسه ومن في القاعدة، زميله الدكتور فيشر (الممثل دان بوردي).
ولا أحد يعلم أن كورنوي ليس سوى مدافع عنيد عن وجود ممحو، وأنه يمثل ما تبقى من الوجود البشري، مع أن الصلة الوحيدة التي تربطه بمن حوله هي تواصله بقاعدة اللاسلكي التي يروي من خلالها ما يحدث.
والطبيعة هنا هي الحيّز المكاني الأكثر فاعلية في احتواء الصراع الذي يخوضه كورنوي بلا هوادة، وهو صراع لا ينتهي مع ذئاب فضائية شرسة تحاول القضاء عليه، فضلا عن تأثيرات متوقعة تتسبب له في نزيف من العينين والأذنين فيما هو يذود عن نفسه.
ووسط الغابات والأحراش ترسم خارطة حركة كورنوي باعتباره البطل الدرامي الذي سيخوض ويجسد قوى الصراع في هذا الفيلم، في نوع من صراع قطع الأنفاس الذي لا يكاد ينتهي.
وتلعب بقايا تكنولوجيا الاتصالات التي كانت سائدة يوما، والتي يعثر على واحدة منها في شكل جهاز لاسلكي، دورا في تأكيد وجود كورنوي حيّا.
وفي المقابل تبدو هذه البيئة مسمومة بسبب حرب إبادة بقنابل ذات سميّة عالية كانت قد ضربت سكان الأرض، وبالتالي محت الوجود البشري برمته، ووسط هذا الجو المسموم والهجمات المتواصلة كان على كورنوي أن يسعى لتخليص السكان من خصوم مجهولين همهم الوحيد القضاء على الوجود الأرضي.
ولا شكّ أن هذه الدراما الفيلمية اعترتها ثغرات على مستوى السرد والبناء الدرامي، فمن الواضح أن الفيلم هو من الأفلام محدودة التكلفة إنتاجيا، فالتصوير تم غالبا في أماكن طبيعية، وبموازاة ذلك لم يتم زجّ عناصر إضافية في مسار الأحداث تسهم في تصعيد الصراع الدرامي، وبالتالي تسهم في إضفاء خطوط سرد إضافية.
ولعل السائد في أفلام الخيال العلمي، هو وجود قوّة ما مسيطرة تدفع بالأحداث إلى الأمام، دون أن يقتصر الأمر على استمرارية صراع وعراك لا يكاد ينتهي، وهو ما ميّز هذا الفيلم.
وفي المقابل وقعت على الشخصية المحورية كورنوي أعباء النهوض بتلك الدراما وتجسيدها، وقد برع الممثل وارين أوتيرا في تجسيد الدور إلى حد كبير، وقد بدا واقعيا، ولكنه أيضا ينتمي إلى فصيلة البطل الذي لا يُقهر.
وحتى في المشاهد الأخيرة للفيلم، نلاحظ أن البطل يخوض صراعه الأخير ساعة مع ما يشبه دراكولا هجيني، وبعد أن يعجز عن دحر خصمه، يضطر لتفجير نفسه أمام الخصم من خلال سيطرة إلكترونية تنفذها زميلته إليزابيث (الممثلة ألانا تارنتر)، ثم يظهر في المشاهد الأخيرة حيّا وسط الأحراش نفسها التي انطلق منها لقتال خصومه.
ولعلّ التحول الدرامي وقّوة الفيلم يتجلّيان في وجود الفضائي فيرمان (الممثل ديفيد ليمنغ) الذي يجد نفسه محبوسا في كبسولة فضائية بعد فناء الأرض والأوكسجين يكاد ينفد منها، ولهذا يبحث في مداره الاتصالي عن أي استجابة ممكن أن تأتي من أي ناج من على سطح الأرض، وبالفعل يعثر على تلك الإشارة من كورنوي، وبذلك يتحالف الاثنان للسعي من أجل الخلاص وإنقاذ نفسيهما بالتعاون في ما بينهما.
وهذه الثنائية الفيلمية قوّت عنصر الدراما ودفعت بالأحداث نحو عناصر مفاجئة جديدة، بما يضيف عنصر استمتاع جديد بالأحداث الفيلمية، وربما لجأ كاتب السيناريو والمخرج إلى هذا الحل الدرامي والإخراجي من أجل النهوض بالإيقاع الفيلمي الذي أصابه شيء من الترهّل والرتابة، بسبب استمرار الأحداث على وتيرة واحدة قوامها الشخصية المحورية كورنوي.
وعلى صعيد العناصر الجمالية لفيلم الخيال العلمي سعى المخرج إلى كسر النمطية والتكرار الذي مثّله الصراع على الأرض بالانتقال إلى أحداث تتعلق برائد الفضاء، كما عمّق أكثر من مشاهد الصراع والعراك من أجل المزيد من التشويق، لكنه في المقابل لم يرتق بالأحداث إلى مرتبة أفلام الخيال العلمي المشبعة بالتحوّلات الدرامية والخوض في المجهول ومتعة الاكتشاف.
(العرب)