آثار المدينة المنورة … أول كتاب من نوعه صدر عام 1935
عبد الحميد صبحي ناصف
هذا كتاب نادر بقلم «عبد القدوس الأنصاري» الموظف بديوان أمارة المدينة المنورة وأستاذ الأدب العربي بمدرسة العلوم الشرعية. طبع على نفقة السيد أحمد الفيضي آبادي وسامي حفظي صاحبي المكتبة العلمية في المدينة المنورة، أما مكان الطبع فكان في دمشق عام 1935م – 1353هـ. ويقع هذا العمل العلمي المصور الجاد في نحو 184 صفحة ومزود بـ 11 رسماً وخريطة مهمة كمسجد قباء والمسجد النبوي وسقيفة بن ساعده وحصن كعب بن الأشرف … ، ولأنه كتاب علمي جاد فقد أعتمد الأنصاري على نحو 27 مصدراً ومرجعاً تراثياً وتاريخياً محترماً.
تزين الكتاب قصيدة ذكريات للسيد أحمد عبيد، وأحتوى على أقسام: «الدور والقصور والحصون والمساجد والبلاطات والأمكنة والجبال والحرار والأودية والآبار والعيون» ويخبرنا مؤلف هذا العمل أن هذه الدراسات العلمية أثمرتها أبحاث وتنقيبات ومشاهدات شخصية لآثار المدينة المنورة كما عاينها وحققها الأنصاري وأنه بدأ في هذه الدراسات منذ ثمانية أعوام (تقريباً 1927م) جائلاً في شوارع المدينة وأزقتها وسائراً في ضواحيها مستكشفاً صاعداً إلى قمم الجبال وهابطاً إلى قرارات الوديان، لا تكبح جماح همته لوافح السموم.
افتتح الكتاب بفصل «الدور» وبخاصة داري كلثوم بن الهدم وسعد بن خيثمة الأنصاريين لما لهما من ميزة بارزة هي نزول رسول الله (ص) بهما أول مرة حين وصوله إلى قباء مهاجراً من مكة. أيضاً درس الأنصاري دوراً عدة أخرى منها: دار عبدالله بن عمر ودار جعفر الصادق ودارا عثمان بن عفان ودارا أبي بكر الصديق [وكان لأبي بكر رضي الله عنه دار أخرى بالسفح في عالية المدينة بينها وبين المسجد النبوي ميل]، ودار ريطة ودار خالد بن الوليد ودار مروان بن الحكم.
وأنتقل الأنصاري في القسم الثاني للحديث عن القصور. وما أكثر القصور التي شيدت في المدينة المنورة وضواحيها في سالف الأزمان؟ وما أقل المتبقي منها إلى اليوم فالقصر الوحيد الذي لا زالت أطلاله ماثلة، من دون سواه – هو قصر سعيد بن العاص الذي يصفه المؤلف بالتفصيل.
أما قسم الحصون والآطام وبخاصة الآطام التي لم تكن من نوع الحصون بالمعنى العام إلا أن لها وصفاً خاصاً فهي تشاد بالحجارة المختلفة الأقدار بينها حشو الطين ولها مصاطب تشرف على ما حولها ويتنزه من فوقها، أما الحصون فبناؤها بالحجارة الضخمة المربعة ولا حشو بينها، وقد تكون الآبار في داخلها. ولم يبق سوى أثنين من الحصون والآطام: حصن كعب بن الأشراف وأطم الضحيان.
والمدينة المنورة بلد المساجد واكتفى الأنصاري بإبراز المأثور منها وقد راعى المؤلف في عرضه شرطين أولاً: ثبوت علاقة المسجد بالرسول (ص) أو ببعض أصحابه. ثانياً: موضع المسجد المشار إليه، وما يجدر ذكره أنه لم يبق إلى اليوم – 1929 – مسجد من المساجد المأثورة على بنايته الأولى بعينها فقد حصل في جميعها التجديد وذلك لأمرين: عناية المسلمين بها وتأثرها بالعوامل الطبيعية من حر وبرد ورياح وأمطار.
وعرض الأنصاري مساجد قباء ومسجد الجمعة والمسجد النبوي الشريف ومسجد المصلي ومسجد الفتح ومسجد ذباب ومسجد القبلتين ومسجد بني ظفر ومسجد السقيا ومسجد الإجابة أو مسجد بن معاوية ومسجد البحير أو مسجد السجدة وأخيراً مسجد الفصيح أو مسجد الشمس.
من آثار المدينة أيضاً «البلاطات» والبلاط في اللغة: الأرض المفروشة بالحجارة. وقد بلّطت الجهات الأربع المتصلة بالمسجد النبوي في زمن أمارة مروان بن الحكم على المدينة. وهذه البلاطات ذات فوائد مهمة فهي تصد الأمطار عن المسجد النبوي وتحجبه عن الغبار. وكان المأمول أن يعم البلاط نواحي المدينة وشوارعها بعد ذلك تمشياً مع سنن العمران ومقتضيات الحضارة ولكن المشروع وقف عند الحد الذي رسمه مروان حتى جاء رضا باشا الركابي محافظاً للمدينة عام 1327هـ 1908م فأزمع على تبليط رصيفين في شارع العنبرية وبالفعل بلط منهما قسماً. أما البلاطات الثلاثة القديمة في المدينة فهي: البلاط الشرقي والبلاط الشمالي والبلاط الأعظم في سوق الحدرة قسم الأمكنة. وعرف الأنصاري الأمكنة الأثرية وابتدأ بسقيفة بن ساعدة ثم الخندق فثنية الوداع فسوق المدينة أو المناخة والنقا وحاجر والمنحنى وسور المدينة والبقيع ويثرب وزغابة والفابة وبركة الزبير والمهراس أو المهاريس والمناصع وحارة الأغوات … ولأن المدينة تقع في واد رحب ملتو تحيط به الجبال، درس الأنصاري جبل أحد وجبل عينيني أو جبل رماة وجبل سلع وجبل سليع وجبل المستندر وعير وثور وحرة وأقم وحرة الوبرة.
وفي ما يخص أودية السهول فالمدينة تكتنفها أودية عدة تبلغ حوالى ستة 1- وادي العقيق 2- وادي رانوناء 3- وادي بطحان 4- وادي مذينيب 5- وادي مهزور 6- وادي قناة.
أما الآبار فقد كان مصدر شرب أهل المدينة في الجاهلية الآبار. وقدم الرسول (ص) وحالة الشرب جارية على ما ذكرنا واستمر الحال على ذلك أيضاً في حياته وفي خلافة معاوية أجريت العين الزرقاء فتحول إليها الشرب واحتفظ كثير من الآبار العذبة بمركزها إما لعذوبتها الزائدة أو لعلاقة دينية بذلك، أما أكثر الآبار المشار إليها فهي: بئر أريس وبئر رومه وبئر غرس وبئر حاء وبئر بضاعة وبئر السقيا وبئر أبي أيوب وبئر ذروان وبئر عروة بن الزبير.
وفي المدينة أيضاً عيون تبلغ 24 عيناً جارية منها العين الزرقاء وهي أعمها وأهمها والبقية منها تسقى البساتين ومصدر كل هذه العيون عالية المدينة وكانت عين الشهداء التي حفرها معاوية جارية إلى ما قبل 1915 ثم توقفت.
وأخيراً تحدث عبد القدوس الأنصاري عن: «الكباسات» والتي هي عبارة عن صنابير (حنفيات) بمجرد فتحها تفيض منها المياه وهي تعد بحق فتحاً جديداً في كيفية الاستقاء في المدينة في ذلك الوقت – بداية القرن العشرين – ويسرد الأنصاري أسماء ومواقع تلك الكباسات.
(الحياة)