نينوس ثابت نحت 80 قطعة آشورية ويتمنى المشاركة في ترميم آثار النمرود
خلود العامري
حين بدأ نينوس ثابت، النحات الشاب الذي لم يتجاوز ربيعه الثامن عشر، «استنساخ» تماثيل آشورية يعود تاريخها الى آلاف السنين ونماذج من حضارة النمرود، لم يتوقع أن يحظى عمله باهتمام واسع من المهتمين بالنحت والآثار والمدافعين عنها حول العالم.
بدأ الشاب المهتم بحضارة أجداده الآشوريين تعلّم فن النحت الآشوري من والده الفنان المعروف ثابت ميخائيل في سن مبكرة. كان يساعده في تحضير الطين وعجينة النحت. وازداد اهتمامه بالمنحوتات الآشورية التي تعلمها مبكراً ويحفظ أشكالها عن ظهر قلب بعد تدميرها ونهب كنز النمرود على أيدي» مسلحي «داعش»، فنحت 80 نسخة منها بين جدارية وتمثال ومجسم، ما لفت أنظار المهتمين بالتراث اليه.
يقول ثابت لـ «الحياة» انه نحت 40 عملاً بينها ثيران مجنّحة ووجوه آشورية، فضلاً عن نحت «اللبوة الجريحة» وهي منحوتة آشورية شهيرة أحبها بشدة لأنها تعبر عن المقاومة حتى الرمق الأخير، فضلاً عن الجداريات الآشورية، ومجسمات عدة جمع فيها رموزاً حضارية.
يعرض ثابت جدارية «حضارة العراق» التي نحتها بعناية وبفخر كبير أمام الآخرين، وقد وضع فيها الثور المجنّح من حضارة آشور مع جدارية الصيد الشهيرة الى جانب رموز من حضارة بابل، وأضاف اليها الملك كوديا والصياد الآشوري والخط المسماري، ثم زاد عليها نصب الحرية للفنان جواد سليم بطريقة جمع فيها أزمنة متباعدة من الحضارات في مكان واحد.
يشير ثابت الى أنه نحت «أكثر من 40 عملاً فضلاً 40 مجسماً صغيراً، وبِعتُ معظمها الى عراقيين آشوريين، وبقي عندي 18 تمثالاً ومنحوتة. أعلم أن ما قمت به هو مجرد نسخ لكنه كان بمثابة الرد المناسب على الإرهاب، فتحطيم الآثار حفّزني أكثر على نحت نسخ عنها وحين تتحرر الموصل سأكون مستعداً لمساعدة والدي لترميم آثار النمرود».
يضيف: «يمكننا تدارك الأمر والاستعانة بفرق عالمية متخصصة في ترميم الآثار. فهناك كثير منها لا يزال مرمياً في العراء بعد تحطيمه، ولديّ أمل كبير في إعادة ترميم الكثير، بل أحلم بذلك بعد انتهاء مرحلة داعش».
وعن الوقت الذي يستغرقه نحت كل تمثال، يقول إن «الوقت يعتمد على حجم التمثال ودقة العمل فيه. وعلى سبيل المثال أخذ مني الثور المجنح 15 يوماً ولو أردت أن أنحته بدقة أكثر لاحتجت الى وقت أطول. وهناك منحوتات أنجزها في أسبوع وأخرى تحتاج الى أسبوعين».
يستعد ثابت للمشاركة في معرض يقام في كربلاء (110 كلم جنوب بغداد) بعدد من المنحوتات الآشورية التي لا تزال بحوزته. ويؤكد أنه «سيستمر في النحت كي أوفر نسخاً من حضارة أجدادي بطريقة بسيطة وأحافظ على وجودها في الذاكرة».
نينوس ثابت من مواليد 1998 نزح مع أسرته من سهل نينوى، بعدما احتل «داعش» المنطقة. ويدرس اليوم في كلية الفنون الجميلة في الموصل التي تستضيفها مدينة دهوك في اقليم كردستان، بعد احتلال الأولى. لكن إغلاق قسم النحت أجبره على الدخول الى قسم آخر. ويقول: «سأغادر للدراسة في بغداد أو خارج البلاد. أنا فقط في انتظار تحرير الموصل لأشارك في جمع ما تبقى من آثار الآشوريين. بعدها سأغادر لاستكمال دراسة النحت الذي تعلمته بشكل فطري من والدي».
مبادرة نينوس ثابت حظيت باهتمام عالمي خصوصاً على مواقع التواصل الاجتماعي. ومعظم من شاهدوا أعماله، شجّعوه على الاستمرار في توفير نسخ للآثار المدمرة وبعضهم اعتبره نموذجاً للنحات الذي يشعر بالمسؤولية إزاء تأريخه.
ويعتبر أستاذ التاريخ والآثار في جامعة بغداد ماجد سلمان الزين، أن توفير نسخ عن المفقودات الآثارية أمر جيد يحول دون نسيان تلك الآثار واندثارها.
ويرى أن منحوتات نينوس ثابت تبعث على الأمل، لكن في النهاية هي لا تساوي القيمة الحقيقية للآثار التي تعرضت للتدمير.
ويأمل بأن يحتفظ نينوس بكمية كبيرة من المنحوتات وعرضها في معارض محلية وعربية وعالمية ليساهم في التعريف بالآثار التي حطمها ونهبها تنظيم «داعش».
(الحياة)