«نقد المثقف المعاصر … رؤية علي حرب»
يحتلّ المفكر علي حرب موقعاً مميزاً وفريداً على خريطة المفكرين العرب، ويُعدّ صاحب تجربة فريدة في عالم الكتابة الفلسفية، تتمثّل في ممارسة فكرية تفاعلت مع كل المعطيات والإبداعات الفكرية المعاصرة. واختارت بتول الخنساء في كتابها «نقد المثقف المعاصر… رؤية علي حرب» (دار المعارف الحكمية)، أن تغوص في أعماله ونظرياته عبر ثلاثة أقسام هي: «نشأة المثقف الكوني»، «المصادر الفلسفية لفكر علي حرب»، «علي حرب ونقد المثقف». ويتضمن كل قسم مجموعة فصول تفنّد أعمال حرب وأفكاره في مجالات عدة.
ومما جاء في مقدمة الكتاب: «يقف المثقف اليوم، لا سيما في العالم العربي، موقف العاجز أمام واقع مأزوم، كمن يحمل أفكاراً منتهية الصلاحية تضعه في مأزق حرج. فبعد انهيار النظريات الأيديولوجية الشمولية، وعلى إثر الوقائع المباغتة التي تجري في العالم، وفي ضوء التحولات المتسارعة على أرض الواقع المتحرّك، لم يبقَ للمثقف سبيل للخروج من هذا المأزق إلاّ بقراءة الواقع، قراءة مختلفة، بأدوات فكرية جديدة، تعينه على إعادة صياغة أفكاره، حيث يستطيع من خلالها مواكبة الحدث الذي يتغيّر باستمرار ويتغيّر معه الواقع والمصير.
من هذا المنطلق، لا يُكنّ علي حرب ودّاً لأصحاب المشاريع والأنظمة الفكرية الكبرى، فيسلّط عليها سلاحه النقدي، متخذاً من استراتيجيته النقدية منطلقاً لخلخلة البنيات الفكرية التي تقوم عليها هذه الأنظمة، وكاشفاً في الفعل البشري عمّا هو متعالٍ ومقدّس. فهو «يناضل»، إن صحّ التعبير، ضدّ السبات الأيديولوجي الذي تسلّل إلى فكر المثقف، فاستنفد فاعليته وتركه يقف على الأطلال، حاضاً إيّاه على مراجعة أفكاره وكسر عزلته التي وضع نفسه فيها، وعلى استبدال أدواته الفكرية العقيمة بأخرى جديدة تعينه على الإنتاج الفكري، وتزيل كلّ ما يعيق فهم الحدث واستيعاب تحولاته والمشاركة في صنعه. وفي ذلك يعتمد حرب على منهج النقد والتفكيك الذي يستعمله في جلّ كتاباته وأفكاره. ويعود هذا الى انخراطه في أجواء المعاصرة الفكرية وتأثره بها، ومواكبته للفلاسفة المعاصرين، وتتبّع آثارهم الفكرية سواء كانوا من أتباع المدارس الفلسفية أم كانوا ممن اختاروا طريق الاستقلال في ابتكار المفاهيم الفلسفية وإبداعها كما هو حال ميشال فوكو وجيل دولوز وجاك دريدا.
ويرمي حرب من خلال منهجيته التفكيكية إلى وضع النصّ الفلسفي تحت مجهر ما بعد الحداثة بوصفه نصّاً حاضراً وفاعلاً، فيستثمر مقولات نيتشه ومشكلاته الفكرية حول الحقيقة والوجود ليعالجها بشكل مختلف بما يتلاءم مع تصوره لنقد مفهوم الحقيقة، بمعناها الكلّي والشمولي، كما يحسبها مشكلة تتعلّق بالوجود.
ويأخذ التفكيك الذي يمارسه حرب صفات عدة أهمها صفة نقد النقد بغية تجاوز المآزق التي يقع فيها الخطاب النقدي العربي السائد، فعلي حرب تفكيكي- كما يقول هو نفسه- في تعامله مع خــطاب العقل بوصفه نصّاً تغلب عليه آليات حجب الآني، والمعيش، والحدثي والمفرد، لمصلحة تأسيس المعرفة»…
(الحياة)