الحياة اليومية تحت مجهر النقد والتفكير

محمد عبد الصمد

ما الذي يمكن أن تثيره فينا صورة الطفل السوري إيلان، الذي قذفت به مياه البحر إلى أحد الشواطئ التركية؟ وماذا يُمكن أن نقرأ من معان في واقعة رشق الرئيس الأميركي الأسبق، جورج بوش الابن، بفردة حذاء خلال مؤتمر صحافي في بغداد؟ وكيف ندرك “سيميائيا” دلالة إقبال المغاربة خلال شهر رمضان على موضة رياضة الجري صباحا ومساء في الطرقات والغابات؟

تساؤلات كثيرة حول وقائع حياتنا اليومية هي محور كتاب أستاذ الفلسفة في الجامعة المغربية، عبدالسلام بن عبدالعالي، بعنوان “سيميولوجيا الحياة اليومية”.

والسيميولوجيا أو السيميائية هي علم تفسير معاني الدلالات والرموز والإشارات. وفي كتابه، الصادر مؤخرا عن “دار توبقال للنشر” ضمن سلسلة المعرفة الفلسفية، يحاول بن عبدالعالي السير على خطى السيميائي الفرنسي الشهير، رولان بارث، الذي جعل السيميائيات وكأنها تمشي مع الناس في الشارع، بعد أن كانت شأنا أكاديميا ولغويا خالصا، وذلك عندما سعى في خمسينات القرن الماضي، وعبر كتابه “ميثولوجيات”، إلى الكشف عن آليات توليد المعاني في المجتمع الفرنسي.

أما في كتاب “سيميولوجيا الحياة اليومية”، الواقع في حوالي 140 صفحة، فيتأمل بن عبدالعالي في جوانب الحياة اليومية، بحيث تغدو الأشياء العادية منبعا للدلالة ومثيرة للعديد من التساؤلات.

المؤلف المغربي يعتبر أن مهمة سيميولوجيا الحياة اليومية هي فضح لعبة توليد المعاني وسعيها نحو الترسخ، أي أن الأمر يتعلق بنوع من النقد الأيديولوجي الذي ينصب على لغة الثقافة التي تدعى ثقافة الجماهير.

والكتاب يقوم على فكرة أن توليد المعاني يمكن أن يتم أيضا من خلال طقوسنا اليومية، ومنها حلاقة شعورنا، وتنظيم مطبخنا وحفلاتنا، وقراءتنا للصحف، وارتياد المسارح، والحديث عن أحوال الطقس وأخبار الإجرام والرياضة.

ويتوزع الكتاب على 36 موضوعا ذا صلة بالحياة اليومية، وتحمل هذه المواضيع عناوين خفيفة من قبيل: “ضربة جزاء”، و”الضحك الذهبي”، و”الفلسفة على نحو مغاير”، و”مسألة السيادة”، و”من الأيقونة إلى اللوغو”.

ولا نعثر في الكتاب على تحليل سيميولوجي بالمعنى الأكاديمي للكلمة، وإنما نتعرف على طرق عفوية لتفسير علامات الحياة اليومية، وجعلها مفهومة ضمن سياقها الثقافي.

كما يسلط الكاتب تأملاته النقدية على عدد من المفاهيم السائدة في الحياة الثقافية، مثل الخبير، والمثقف، والناشر، والمؤلف، والمفكر. وحول هذا الأخير، وهو المفكر، ينتقد بن عبدالعالي كلمة “المشروع الفكري”، التي تطلق عادة على أعمال المفكرين، معتبرا أن “اشتغال المفكر غالبا ما لا يحيد عن اهتمامات بعينها، إلا أن ذلك قد لا يكفي للنظر إلى مساره، كما لو رسمته إرادة واعية وبرمجه عقل مهيمن جبار”.

ويقول في كتابه “يُصر بعض النقاد على أن يقدموا أعمال المفكر كما لو كانت تندرج ضمن مشروع فكري متكامل، وهم يعرضونها كما لو تمخضت عن قرار تأليف وتخطيط معقلن محسوب، هذا رغم تَبيُّنِهِم أنها غالبا ما تكون استجابات لحظية وتفاعلا متحولا مع المحيط الثقافي والظرف التاريخي”.

وتحت عنوان “الضحك الذهبي” نقرأ مقارنة مطوّلة بين التهكم والسخرية، فـ”التهكم يصدر دوما عن ادعاء صريح أو ضمني، يشعر المتهكم دوما أنه من سلالة رفيعة، لذلك فهو لا يتهكم على نفسه. على عكس السخرية التي تسخر من نفسها قبل كل شيء”.

يقول بن عبدالعالي “السخرية متواضعة، أما التهكم فيصدر عن إحساس بالقوة. إنه دائما في موقع من يتصيد نقاط الضعف”.

لكن كيف يرى المؤلف الصمت؟ في كتابه “سيميولوجيا الحياة اليومية” يقول المؤلف “ليس الصمت مجرد سلب، مجرد غياب للكلام. إنه ليس خواء وعدما، بل إنه يتمخض عن فعالية وينطوي على بلاغة. وهذا أمر يدركه أصحاب الموسيقى الذين ينظرون إلى مقاطع الصمت على أنها مقاطع من المعزوفة الموسيقية، وليس على أنها توقف لتلك المعزوفة”.

(العرب)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى