كاتب بريطاني يعيد شرلوك هولمز إلى الحياة
عمار المأمون
يعتبر المحقق الجنائي شارلوك هولمز من أشهر الشخصيات الخيالية التي مازالت حاضرة بيننا، فالكاتب البريطاني آرثر كونان دويل وعبر سلسلة من الكتب والقصص، تمكن من بناء عوالم هولمز المليئة بالغموض والأسرار، ليقدم لنا العشرات من الروايات البوليسيّة التي مازالت إلى الآن تمتلك ذات الحيويّة والجاذبيّة، فحكايات شرلوك هولمز بدأت منذ أواخر القرن التاسع عشر، مازالت مستمرة حتى الآن، عبر الاقتباسات في المسرح والسينما والثقافة الشعبية التي يحضر فيها هولمز كرمز لسرعة البديهة والقدرة على التحليل وكشف الحقائق.
حبكة المغامرات
صدرت أولى روايات شارلوك هولمز عام 1887 واستمرت حتى عام 1927، عددها ستون قصة وأربع روايات بقلم كونان دويل، وبعدها صدرت العديد من القصص والروايات التي تستعيد عوالم هولمز الغامضة، وعام 2011 اختارت مؤسسة كونان دويل الكاتب البريطاني أنطوني هوروفيتز، لكتابة روايتين كتتمة لمغامرات شارلوك هولمز، وهما “بيت الحرير” التي صدرت عام 2011 و“موريارتي” عام 2014، الرواية الأولى صدرت ترجمتها العربية عن دار “نوفل”، وتبعها هذا العام صدور الترجمة العربية للرواية الثانية “موريارتي”، أيضا عن دار “نوفل”، بتوقيع المترجم أدونيس سالم، لتكون أمام القارئ العربي المهتم بعوالم شرلوك هولمز فرصة لاكتشاف ما حدث بعد موت المحقق الشهير.
تدور أحداث الرواية عام 1891، إذ تبدأ عند شلالات راشينباخ في سويسرا، حيث كان اللقاء الأخير بين هولمز وعدوه اللدود موريارتي، اللقاء الذي أدى إلى موت الاثنين وسقوطهما من أعلى الشلال، إلا أن ما كتبه الدكتور واتسون مساعد هولمز لم يبد منطقيا للمحقق الأميركي فريديك تشايس وأتيلني جونز الذي يعمل في السكوتلاند يارد، إذ التقيا في سويسرا بعد عدة أيام من الحادثة، في سرداب كنيسة من المفترض جثة موريارتي فيها، ومن حينها وإثر تعاون الاثنين، تبدأ المغامرة للكشف عن سلسلة جرائم دموية، وشبكة علاقات إجرامية تمتد من أميركا إلى بريطانيا.
من الصعب الحديث عن رواية بوليسيّة دون الكشف عن أحداثها، فالبنية البوليسية قائمة على التشويق في سبيل اكتشاف القاتل، وهي واحدة من أنواع الحبكات البوليسيّة، التي يسعى فيها القارئ إلى جانب شخوص الرواية لاكتشاف سبب ما حدث، إلى جانب بناء التشويق مع تتابع الأحداث/الجرائم، فنحن أمام لغز كبير تحاول الرواية كبنية خلاله الإجابة عن سؤال “لماذا؟” وألغاز فرعيّة، تجيب عن “كيف؟” وتجمع شذرات من المعلومات للإجابة عن سؤال “لماذا؟” السابق، لتكون الفضاءات التي تتنقل عبرها الشخصيات وتكتشفها، نتاجا للفعل الرئيسي المرتبط بـ”الجريمة الأولى”، التي نقرأ عنها ضمن خبر منشور في صحيفة “التايمز” اللندنيّة.
تستمد “موريارتي” مرجعيتها من قصص هولمز السابقة، وهي استمرار للتاريخ المتخيل المرتبط بشخصيّة هولمز، فالمحقق جونز سبق له أن التقى هولمز ففي المرة الأولى التي يحضر فيها في قصة هولمز “علامة الأربعة” نراه هامشيا، بل إن واتسون لم يقدم عنه وصفا حسنا حسب تعبير جونز نفسه. أما في هذه الرواية فنراه محوريا، هو من يقود التحقيق، إذ نسمع كلماته وتحليلاته بوصفها يقيناً عكس إخفاقاته السابقة، فهو يتمتع بالحنكة التي يمتلكها هولمز، وإلى جانبه نرى المحقق الأميركي الذي كان يعمل في الطرف الآخر من المحيط، مكافحا الجريمة المنظمة في أميركا ومنبها إلى جونز أن ما ستشهده بريطانيا لا يشبه الجرائم الاعتيادية، وكأننا أمام عالمين من الجريمة يتصارعان ويتداخلان، وخصوصا أننا نرى صيغة الإجرام التي يمتلكها أفراد العصابة الأميركية بوصفهم “عاديين” لا تحضر في بريطانيا بصورة كاملة، ليكون المحقق الأميركي الأداة التي تكشف عن حقيقة كل منهم وتاريخه الإجرامي.
أشباح لأجساد غائبة
أطياف واتسون وهولمز تحضر في الرواية بوصفها أقرب للأيقونات المقدسة، والتأثّر العميق بذلك واضح لدى الشخصيات، وخصوصا أتيلني جونز، الذي يعتمد على تقنيات هولمز ذاتها في تقفي الأثر وتحليل الآثار المختلفة، إلى جانب تدربه على تقنية فك التشفير التي كان هولمز معروفا بها، فالرواية كبنية أقرب إلى الباستيش، هي احتفاء أدبي بشخصية هولمز ونتاج دويل، وامتداد للتراث الأدبي والفني حول هولمز، سواء كان من الروايات أو القصص المصورة أو الأفلام، فهولمز هو أعظم محقق خاص على الإطلاق، مهاراته جعلته أقرب للأبطال الخارقين، ذكاؤه وحنكته وتهكمه اللاذع، لم يفقد حيويته، ومازال قادرا على إمتاعنا حتى الآن.
وفي لقاء معه وحين سُئل هورفويتز عن عمله تبني أسلوب آرثر كونان دويل، يجيب بأن دويل من أعظم الكتّاب في العالم، والكتابة بصوته كانت ممتعة له، وخصوصا أنه من المعجبين به، ويضيف أنه عادة ما يبدأ بالكتابة من الصفر، من صفحة بيضاء، لكن في حالة ‘موريارتي’ كانت لديه معرفة سابقة بالأساليب والتقنية، فصوت دويل حاضر دوما، إلى جانب عوالمه وشخصياته، وكل ما كان على هورفويتز فعله هو إيجاد التوليفة المناسبة، وخصوصاً أنه كان على اطلاع على أدب القرن التاسع عشر، لكن ما أجهده هو ضبط المعلومات التاريخيّة ودقتها، فكل ما في الرواية من وصف للأماكن والفضاءات مكتوب بصورة دقيقة، وتم التأكد من صحته تاريخيا.
(العرب)