«ذهان الفتاة س» لرنا زيد بالعربية والدنماركية

«ذهان الفتاة س»، مشروع أدبي فازت عنه رنا زيد بمنحة إنتاجية من مؤسسة «المورد الثقافي»، وقد صدر أخيراً باللغتين الدنماركية والعربية، عن متحف روسكيلدا للفنون المعاصرة في الدنمارك، بترجمة أنجزها جون ضاحيو صوفي مورتنسن.
الكتاب عبارة عن نص سردي بصيغة المتكلم، متقطع الصوت ومتصل بكلية صوتية واحدة. وفيه تتطرق زيد عبر شخصياتها إلى قضية الحرب السورية وتأثيرها النفسي والسياسي والاجتماعي، منذ انطلاق الثورة السورية حتى لحظة الكتابة. يحوي الكتاب صوراً فوتوغرافية لمظفّر سلمان.
من أجواء النصوص: «كنا نعيش في الزمن صفر. كان الزمن، إن اتضح، فمثل عصير الرمان، مجهد ومتعب. ولكنْ، ما من وجود للزمن السوري، قبل الثورة… الصوت المزعج هو المكان، والشمس الحارقة، اللاغية للبصر، هي المكان (…).
أيقنتُ أنَّ حياتي هناك صارت منتهية. كلّ ما جرى في حياتي السابقة أصبح متلاشياً وعاتماً. هذا وحده كان كفيلاً في بثّ الرعب في نفسي. مجدداً، علي أن أسأل نفسي، أسئلة وجودية بعثة سطحية: من أنا؟ أين هو مكاني؟ الهستيريا التي أصابتني في شكل طفيف تبدو حدثاً هامشياً، لكنها مقترنة مع توتر كارثي ودائم لحق بي، أنا الآن لست شيئاً. إذ في هذه اللحظة، أعيش هنا، في باريس، قرب مقبرة غرونيل، في شارع سان شارل. هنا، في أكثر الأحياء الفرنسية أرستقراطية، لا شيء يدل على أنني موجودة، ولا شيء يثبت أن هذا الوجه الذي أخفيه بيدي، هو وجهي. أنا مجرد شخص موجود، قد يكون أتى من القارة الآسيوية، أو أي بقعة أخرى في الأرض. أنا شخص غير موجود، لأن وجوده على هذا الحال، هو اللعنة. اكتشفت لاحقاً أن الجميع حولي يعاني من تلك المرحلة البلاستيكية، في التحول البشري بعد اللجوء. في هذه المرحلة، ما من مكان لثبات الهوية، ولا شيء يؤثر في ثقل وزن الجسد لتتحسس مفاتيحه في الشهوة والخدر وتصاعدهما. نحن مجرد قطع من البلاستيك المتكاثف فوق القلب البشري. الحياة السابقة، في دمشق، جثة عفنة لا أدري أين أدفنها؟ هناك، حيث لم يكن ليحدث أمر، ولم يكن شيء ليتغير، لولا الثورة. كنا كمن تلاشى في خوفه، ونحن الآن كمن ظهر شبحياً فوق خوفه. ليس هناك فارقٌ كبيرٌ بين حياتنا السابقة وهذه الحياة المعيشة آنياً. إلا أن حديثاً عن الجسد والجنس، ورماديتهما الحالية، عند أكثرية من خرج من منهبة العمر هذه (التي ألحقها النظام السوري بالشعب، بعد الثورة السورية)، قادني إلى استنتاج هو في أقصى حدود الألم: هل نحن كائنات آلية، بعد مجمل جنون صامت عشناه؟ إن شعوراً هائلاً ينتابني، بأن قدرتنا الضئيلة متاحة، فقط، في فعل تدميري ذاتي تجاه أنفسنا. نحن ندمّر هذا النظام الذي خُلقنا معه، منذ عقود. ندمره داخلنا، لأن تحديثاً غريباً ومختلفاً طرأ فينا بعد الثورة، إذاً ما هو مصير التركة الفكرية القديمة، التي أصبحت لا واعية، لا مصير واضحاً لها غير أنها في طريقها إلى تفتيت كل ما يشكلها؟ وهنا، لا يمكن أنْ نبقى الأشخاص ذاتهم، في أي الأحوال.
لا أكاد أتحرك. جسدي ينتفخ، ثم ينتفخ، لينتج كتلاً من الدهون، تدل على وجود مادي، في أقل الاحتمالات النفسية التحليلية لتغير الجسد، في المكان الجديد. أليس الجسد هو الحقيقة الوحيدة، والباقي مجرد أفكار غير مدركة، في الملموس؟»…

(الحياة)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى