أبطال عرب في فيلم تونسي عن الهجرة غير الشرعية

أثار فيلم “جسد غريب” للمخرجة التونسية رجاء العماري، الذي يعرض حاليا بالقاعات التونسية قضية الهجرة غير الشرعية، وما تحمله من غربة الجسد والبحث عن الآخر، وغاص الفيلم في خبايا المعاناة الإنسانية التي تخلقها الظاهرة وطرحها من منظور إنساني بحت.

وتقول المخرجة التونسية رجاء العماري إن الفيلم يعالج قضية اجتماعية متمثلة في الهجرة غير الشرعية، ويتطرق بطريقة غير مباشرة إلى قضية سياسية، خاصة أن السيناريو عكس التحولات التي شهدتها تونس بعد ثورة 14 يناير 2011، وما خلفته من تداعيات ومتغيرات مجتمعية على المناخ التونسي والمتمثلة في تنامي ظاهرة الإرهاب في تونس.
هروب اضطراري

تدور أحداث الفيلم حول شابة تونسية اسمها سامية، تجسد دورها الممثلة سارة الحناشي، في ثاني ظهور لها بعد فيلم “زيزو” لفريد بوغدير، وصلت إلى فرنسا سرا بعد الثورة، وذلك بسبب خوفها من ملاحقة شقيقها المتشدد دينيا بعد أن أبلغت عنه السلطات التونسية بتهمة الإرهاب.

وفي البداية يؤويها عماد، أحد أبناء قريتها (جسّد دوره الممثل الفرنسي من أصل جزائري سليم كشيوش)، وبعد رحلة بحث طويلة عن عمل تجد إعلانا معلقا بواجهة أحد المقاهي الباريسية وضعته امرأة ترملت حديثا اسمها ليلى، (لعبت دورها الممثلة الفلسطينية هيام عباس) تبحث عن معينة منزلية، وبعد الاتصال بها تتمكن من العمل لديها والإقامة عندها، رغم وضع سامية غير القانوني.

وتتطور الأحداث سريعا بعد زيارة عماد لسامية في مقرها الجديد، حيث تنشأ علاقة حميمة في الخفاء بينه وبين ليلى، وبين هذه الشخصيات الثلاث يزداد الخوف وترتفع حدة التوتر التي تؤدي إلى التصادم في ما بينها، وفي الأثناء تعلم سامية بوفاة شقيقها المتشدد في سجن تونسي، والذي كان الدافع الرئيسي إلى هجرتها.
هنا تقترب نهاية الفيلم التي اختارت مخرجته وكاتبة السيناريو رجاء العماري، أن تكون مفتوحة، لتجعل الجمهور يتساءل هل انتهى بانتحار سامية في البحر أم بعودتها النهائية إلى تونس؟

ورغم جمالية الصور و”الكادرات” التي قدمتها العماري في فيلمها الجديد، وإتقانها للانتقالات الارتدادية بطريقة “الفلاش باك”، لتفهم المتابع لخرافة الفيلم الدوافع التي جعلت من البطلة سامية تقدم على مغامرتها المحفوفة بالمخاطر، إلا أن ضعف السيناريو الذي اعتمد على أكثر من صدفة للربط بين الأحداث بشكل عشوائي أحيانا، أخل بنسقيتها ومصداقيتها.
صدف متلاحقة

تعقّد الأمر بالبطلة سامية في رحلة بحثها عن عمل في غربتها إلا وكانت الصدفة طريقها إلى الخلاص، فبالصدفة تتعرف على عماد، وبالصدفة تعيش قصة حب معه، والصدفة وحدها تجمعها بليلى التي تنتدبها للعمل عندها كمعينة منزلية، بل وتقيم عندها رغم الوضعية غير القانونية لسامية وما يعنيه ذلك من احتراز وتحفظ من امرأة أرستقراطية مثلها، ومن ثمة تنتهي كل مشاكل البطلة فجأة.

ويدخل الفيلم إثر ذلك في الكشف عن صراعات جانبية لأبطاله الثلاثة، وهي صراعات عاطفية بالأساس، فتضيع فكرته الرئيسية التي أرادت من خلالها مخرجة الفيلم تصوير المعاناة التي تدفع بالآلاف من المهاجرين التونسيين الذين يعانون الفقر والتهميش والبطالة إلى المجازفة بحياتهم، لكي يحققوا حلم الهجرة إلى أوروبا.

وهو ما أكدته البطلة سارة الحناشي، في حديثها عن الفيلم، بقولها “جسد غريب” يصور نزيف مأساة الهجرة غير الشرعية وما يحف بها من مخاطر، وهي مأساة لن يتوقف نزيفها للأسف، نظرا إلى الظروف الاجتماعية التي يعيشها عدد كبير من التونسيين”. فأين الفيلم من كل هذا؟

وجمع “جسد غريب” في أدوار البطولة ثلاث جنسيات عربية مختلفة تستقر في فرنسا حيث تدور أحداث الفيلم، ومن هناك جسدت الممثلة التونسية سارة الحناشي دور سامية، في حين جسد الجزائري-الفرنسي سليم كشيوش دور عماد، النادل المهاجر، كما جسدت النجمة الفلسطينية هيام عباس دور ليلى، الأرملة التي فقدت زوجها الفرنسي، وهذه الأخيرة سبق لها التعامل مع العماري في أول أفلامها الطويلة “الستار الأحمر”.

و”جسد غريب” هو الفيلم الروائي الرابع للمخرجة التونسية رجاء العماري، بعد فيلمها الأول “الستار الأحمر” و”الدوّاحة” ثم “الربيع التونسي”، إلى جانب فيلمها الوثائقي “آثار النسيان” والروائي القصير “ذات مساء في جويلية”.

(العرب)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى