‘اكتمال’ بشر متطورون جينيا يسترجعون صراعات الأسلاف

طاهر علوان

يعد الفيلم الجديد “اكتمال” (إنتاج 2017) للمخرج أيان تروينتر استكمالا لما درجت على طرحه سينما الخيال العلمي طيلة عقود مضت إزاء ما يتم تداوله من منجزات في مجال علم الوراثة والتعديلات الجينية، نتذكّر هنا أفلام “الرجل القرد” (إنتاج 1943)، “الزاوية ذات الأربعة جوانب” (1953)، “البرمجة الأخيرة” (1973)، “عودة الكابتن نيمو” (1978)، “متسابق الهاوية” (1982)، “جندي كوني” (1992)، “تعددية” (1996)، “عناكب” (2000)، “بيثو” (2002)، “الجزيرة” (2005)، “قافز” (2008)، “نمو” (2010)، وصولا إلى أفلام “الرجال اكس” (2014) و”مورغان” (2015) وغيرها من الأفلام.

ويضاف فيلم “اكتمال” إلى أفلام أيان تروينتر كـ”دبليو أم دي” (2013) و”حب متوقع″ (2008) و”غرفة القطع″ (2006) و”ريتشارد روي” (2001)، وفيه يغوص عميقا في ما يعرف بنظرية التطور والتغييرات الجينية لبني البشر.

القصة في الفيلم تعود بالمشاهد إلى عام 2015 عندما قام العلماء بتعديل جيني مهم على الجنين البشري، ثم بحلول عام 2020 يبدأ تسويق التجارب واعتمادها عالميا، حيث قدّم البرنامج أطفالا معدلين وراثيا وذوي معدلات من الذكاء أعلى وقدرات جسدية مثالية.

وبحلول عام 2038 تحقق التجارب نسبة نجاح عالية تصل إلى 98 بالمئة، حيث يصبح الجيل الأول من البشر المعدلين وراثيا في سن البلوغ وقد عُرفوا بالرمز “جي سي” تيمنا باسم الشركة ومختبراتها المصنعة، ليتم إرسالهم إلى الفضاء للتحري عن الناجين من رحلة فضائية سابقة انتهت إلى هلاك الطاقم، بسبب نشوب قتال مجهول الأسباب بين أفراده.

يلتحم البشر المعدّلون جينيا بالمركبة التي أُرسِلوا من أجلها ليعثروا على أونيل الناجي الوحيد (الممثل ويتوس كرين) وبصحبته امرأة آلية (الممثلة أورسولا ميلز).

نقطة ضعف الفيلم تمثلت في التخلي عن الكائنات المهجنة من خلال رسالة فيديو قصيرة قادمة من الأرض
من هنا سيبدأ اللغز وندخل في أجواء بوليسية يجري فيها ابتزاز أونيل بقطع يد المرأة الآلية ومن ثم إعطابها، مسار درامي موازٍ للمهمة الأساسية في اختبار مهارات المعدّلين جينيا، ثم خوض صراع دام مع من ينفذ عمليات القتل، وبذلك يتصاعد البناء الدرامي ولا يتم النظر للشخصيّات المعدّلة جينيا إلا على أساس أنها تخوض مغامرة فيها العنف والجريمة والإثارة، كلها تسير على خط واحد.

خلال ذلك تقع تطوّرات غريبة على البعض من أفراد الطاقم من قبيل الميل العاطفي لاثنين منهم هما إيما (الممثلة كرستيان بيتر) وكريس (الممثل تي جوبان)، وهو سلوك يمثل انحرافا في القانون المهني لتلك الكائنات المعدّلة، ثم ما تلبث إيريس رئيسة الطاقم (الممثلة ساني مابري) أن تصاب بارتعاش غريب في الذراع، ليتأكد من خلال سلسلة من الرسائل التي يبثها رئيس فريق الأبحاث الأرضي نوردام (الممثل مايكل نوري) أن هنالك عيوبا ظهرت في البرنامج، وأن أعراضا ثانوية غير مسيطر عليها سوف تظهر على البشر المعدّلين جينيا من قبيل الانجراف العاطفي والعنف غير المبرر والاكتئاب، وتكون تلك الرسائل بمثابة تخلّ عن الفريق، وأن الغاية من إرساله قد تحققت ولو أبيدوا جميعا.

تعيش الشخصيات صراعا مريرا وتقع أول عملية اغتيال في حق طبيب الفريق (الممثل مايكل جينكنز)، إذ تعود المرأة الآلية إلى ما هي مبرمجة عليه في القضاء بوحشية على جميع الطواقم، وكأن المهمة صارت موجّهة إلى هدف آخر هو مدى نجاح المرأة الروبوتية في القيام بالمهمة كاملة وإبادة البشر جميعا، سواء الأسوياء منهم أو المعدّلون جينيا، لا سيما وأنها كانت قد فتكت من قبل وبنفس الطريقة بالطاقم السابق.

تشتبك هنا عدّة مسارات سرديّة، ففضلا عن الصراع مع المرأة الروبوت هنالك علاقة الحب الفريدة بين المطوّرين جينيا، وكيف يعبّرون عن أنفسهم ويفدي بعضهم البعض، ثم الأجواء الكابوسية التي يراد فيها امتصاص دماء الطبيب، لأنّه البشري الوحيد، وحقنها للآخرين ثم تصدي الكابتن ومساعدته لكل ذلك في تصعيد درامي ما يلبث أن يتحول إلى حمامات دم بإجهاز المرأة الروبوت على الجميع.

ولعلّ من مميزات فيلم “اكتمال” السيطرة على مسار الأحداث وتوليد حبكات ثانوية غير متوقّعة أسهمت في تصعيد الدراما ومنحها تشويقا إضافيا، لكن نقطة الضعف الأساسية تمثّلت في التخلّي عن الكائنات المهجّنة من خلال رسالة فيديو قصيرة قادمة من الأرض.

وعرف الفيلم أداء مميزا للممثلة ساني مابري التي قادت الفريق بمهارة وإقناع، فيما تشتت الحوار العنيف ما بين الشخصيات وهي تحاول تجسيد خطوط الصراع الأساسية المتشعّبة في دوامة الحب والعنف والجريمة والتحرّي، وكل ذلك في زمان ومكان مستقبليّين خياليين ومجهولين.

(العرب)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى