سينما المرأة في مصر… مهرجانات وثقافات و«تمويلات» مشبوهة!

من كمال القاضي

ما بين مهرجان أسوان لأفلام المرأة الذي انتهت فعالياته قبل أيام، ومهرجان القاهرة السينمائي الدولي لسينما المرأة، الذي يقام حاليا في القاهرة بضعة أيام فقط، والمشكلة ليست في التقارب الزمني بين المهرجانين، وإنما المحير هو السؤال حول دوافع مثل هذه النوعية من المهرجانات المتشابهة، التي ينفق عليها بسخاء وتقام دوراتها خلسة، كأنها جرائم ثقافية يحاولون دفنها قبل أن تفوح رائحتها.
قبل سنوات قام الاتحاد الأوروبي بتمويل العديد من المهرجانات السينمائية الصغيرة، تحت لافتات وعناوين حداثية براقة، أذكر منها ما كان يسمى بكارافان السينما العربية، وكارافان السينما العربية والأوروبية، وقد استمرت هذه الموجات تدفع بمفاهيم اجتماعية وسينمائية جديدة داخل الإطار الثقافي والسينمائي، وقوبلت بالرفض في معظمها، لأنها ركزت على كل ما هو ملتبس وشاذ، فمن بين ما ناقشت هذه الأفلام كانت قضية الحج، على سبيل المثال، في فيلم يحمل عنوان «الرحلة الكبرى» وهو إنتاج فرنسي تونسي مشترك، تقوم فكرته على التشكيك في قداسة الفريضة الدينية الإسلامية ومدى جدواها وضرورتها. ولعب الفيلم بخبث شديد ونعومة مفرطة على المعاناة التي يتكبدها حجاج بيت الله الحرام، الذين يأتون من كل فج عميق لأداء المناسك، طلباً للمغفرة ولمح في توريات أشد خبثاً إلى قسوة الفريضة وصعوبتها على من يتوافدون من أقصى الشمال وأقصى الجنوب في امتثال وطاعة ليرضوا الله ورسوله.
ولم تنج بقية الديانات الأخرى من سخرية الأفلام الممولة بالكارافانات إياها، فقد عرض ضمن الفعاليات في واحدة من الدورات المهمة فيلم بعنوان «ليلى تقول» وهو أحد الأفلام الجريئة في مضمونها ومغزاها وشكلها، فما تقوله ليلى كان كلاماً حول الحرية بكل ألوانها وأنواعها، لا يستثنى منها شيء بما فيها حرية العقائد والديانات والعلاقات، ولم يكن ذلك هو موطن الخطر الوحيد في الفيلم، بل تعدت الرسالة الثقافية فكرة المفهوم الضمني، الذي يمكن أن يطرح في أي مصنف فني بشكل لائق، ونرفضه أو نقبله، إلى المجاهرة الصريحة والعلنية بهذا القبح تحت دعاوى ممجوجة ذات صلة بما يتردد عن حرية التعبير، دعوة الحق التي يراد بها باطل.
أيضا عرض فيلم في السياق نفسه منذ سنوات في إحدى المؤسسات الثقافية في مدينة الإسكندرية، وكان عن طيور البطريق وهجرتها القسرية لأحد السواحل وهو فيلم أقرب إلى أفلام الكارتون منه إلى الفيلم الروائي، وفيه كان الحوار العجيب الذي تناول قصة تهجير طيور البطريق بشكل يحمل إيحاء سياسياً عن تهجير اليهود ووطنهم المفقود وشتاتهم بين الأقطار، بما يوحي بالظلم البين الواقع عليهم، وقد تجلى المعنى في مشهد بالغ الدلالة، حيث تتم مطاردة الطيور المسالمة من جانب الحيتان المفترسة التي تخرج من البحر مستهدفة ضحاياها بمنتهى القسوة والعنف، ولا أنسى تلك الجملة التي تضمنها الحوار، ووردت على لسان أحد الطيور البريئة متسائلاً، لماذا كلما ذهبنا إلى شاطئ تخرج علينا التماسيح لتفترسنا مع إننا طيور مسالمة «مختارة» وهنا تأكدت هواجسي حول المعاني والمرامي التي يحملها الفيلم، وتأكدت أن الملايين التي تنفقها المؤسسات الدولية المهتمة بالثقافة والفنون تذهب إلى أغراضها تماماً، أما عن علاقة كل هذا بقضايا المرأة فأنا أرى من وجهة نظري المتواضعة أن ثمة برنامجا تنفذه المؤسسات المانحة يشمل كل التخصصات وكل القضايا داخل دول العالم الثالث، ومنها قضية المرأة، التي تمثل المنطقة الرخوة ويتم من خلالها اللعب على الأوتار الشائكة والحساسة في المجتمعات العربية، ومن هنا يتحدد دور السينما في طرح الصور السلبية والمستفزة لبيان الظلم الواقع على المرأة لاستنهاض همتها في الدفاع عن حقوقها المسلوبة من وجهة نظر المؤسسات الأوروبية، وبين الاختلاف والاتفاق حول هذه المسألة يحدث الشقاق وينقسم المجتمع وتضعف الدولة ومن ثم يتحقق المراد.
تلك هي القضية الكبرى في معركتنا مع المؤسسات الأوروبية وثقافاتها النوعية المغايرة التي تحاول فرضها عبر الوسائل الترفيهية والوسائط والأنشطة المتعددة، ومن بينها أو على رأسها المهرجانات السينمائية من عينة مهرجان سينما المرأة وغيرها من بقية المهرجانات السرية التي نسمع عنها ولا نراها.

(القدس العربي)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى