في اليوم العالمي للشعر.. المنتصر الوحيد هو الأمل
مخلص الصغير
تخلّد الإنسانية يوم 21 مارس فعاليات “اليوم العالمي للشعر”. وكان العرب أول من دعا إلى تخصيص يوم عالمي للاحتفاء بالشعر، بناء على طلب رفعه “بيت الشعر في المغرب” إلى منظمة اليونسكو سنة 1998، مطلب عبر، ولا يزال يعبر، عن حاجة العرب إلى الشعر، وهم يكتفون بيوم واحد، بعدما كان الشعر يملأ أيامهم ويكتب أحلامهم.
ربيع عالمي
في سنة 1998 رفع “بيت الشعر في المغرب” رسالة إلى منظمة التربية والعلوم والثقافة (اليونسكو)، ممهورة بتوقيع رئيس الوزراء الأسبق المجاهد عبدالرحمان اليوسفي، من أجل تسمية يوم عالمي للشعر. وفي سنة 1999 اعتمد المؤتمر العام لليونسكو، خلال دورته الثلاثين المنعقدة في باريس، تاريخ 21 مارس من كل سنة يوما عالميا للشعر.
قبل ذلك، وفي ماي 1997، انعقد بفرنسا مهرجان “ربيع الثقافة الفلسطينية”، حيث وجه محمود درويش وعزالدين المناصرة، ومعهما فدوى طوقان، رسالة إلى المدير العام لليونسكو آنذاك، حملت عنوان “الشعر روح الإنسانية، الشعر جسد العالم”، من أجل اعتماد يوم عالمي للشعر. وفي السنة الموالية تبنى بيت الشعر في المغرب هذه الفكرة على عهد الشاعر المغربي محمد بنيس الذي كان يرأس البيت، من خلال رسالة شعرية رسمية.
الشعر هو أحد أشكال التعبير وأحد مظاهر الهوية اللغوية والثقافية، وهما يعتبران من أغنى ما تمتلكه الإنسانية، فمنذ قديم الزمان عرفت كل القارات بمختلف ثقافاتها الشعر، إذ أنه يخاطب القيم الإنسانية التي تتقاسمها كل الشعوب، فالشعر يحول كلمات قصائده البسيطة إلى محفّز كبير على الحوار والسلام. ولذا تم تخصيص 21 مارس من كل عام يومَ احتفالٍ باليوم العالمي للشعر.
ومنذ ذلك الحين أعلنت المنظمة الدولية أن فكرة يوم عالمي للشعر جاءت بهدف “دعم التنوع اللغوي، ومنح اللغات المهددة بالاندثار فرصا أكثر لاستخدامها في التعبير”، كما أعلنت المنظمة أن هذا اليوم من شأنه أن يشكل “فرصة لتكريم الشعراء ولإحياء التقليد الشفهي للأمسيات الشعرية”. كما أعلنت اليونسكو أن الشعر هو أحد أشكال التعبير وأحد مظاهر الهوية اللغوية والثقافية، وهما يعتبران من أغنى ما تمتلكه الإنسانية، إذ أنه يخاطب القيم الإنسانية التي تتقاسمها كل الشعوب.
ولا تزال دول العالم -كما الدول العربية، وفي مقدمتها المغرب- حريصة على الاحتفاء باليوم العالمي للشعر الذي بات يشهد تنظيم مهرجانات وملتقيات بهذه المناسبة، ولقاءات وأمسيات ومسابقات شعرية، في الفضاءات الثقافية العمومية، وفي المؤسسات التعليمية، في مبادرات احتفالية تستعيد صوت الشعر العميق والسحيق، ولو ليوم واحد فقط.
ضرورة الشعر
منذ نهاية الألفية الماضية، يحرص رؤساء اليونسكو على توجيه رسالة بمناسبة اليوم العالمي للشعر. لكن رسالة هذه السنة جاءت في صيغة صرخة هادئة وعميقة، وجهتها المديرة العامة لليونسكو إيرينا بوكوفا، معتبرة أن الشعر يظل “يملك قدرة لا نظير لها في سائر فنون الأدب، ألا وهي القدرة على إيقاظنا من غفلتنا وإخراجنا من قمقم حياتنا اليومية، وتذكيرنا بآيات الجمال المحيطة بنا، وبقدرة المعاني والقيم الإنسانية المشتركة على الصمود”.
وتعتبر مديرة اليونسكو أن الحفاظ على ذاكرة الشعر الإنسانية مهمة لا تتقنها الشعارات والخطب التي لا يمكن أن ترقى إلى لغة الشعر، في أي حال من الأحوال؛ ذلك أن مهمة الحفاظ على التراث الشعري الإنساني هي مهمة تقنية لا بد أن يتعهدها الخبراء والباحثون، وأن يتحمل مسؤولياتها المسؤولون. وهنا ذكّرت المديرة بأن قائمة اليونسكو التمثيلية للتراث غير المادي للبشرية تضم العشرات من أشكال التعبير الشفهي والشعر، ومنها المناظرات الشعرية القبرصية، وشعر “سا ترو” الغنائي الفيتنامي، والشعر الغنائي البدوي المسمى “التغرودة”، المشترك بين عمان والإمارات العربية المتحدة.
ونبهت رسالة اليونسكو إلى “ضرورة الشعر” في عالم اليوم، وليس فحسب في اليوم العالمي للشعر، حيث “باتت الحاجة إلى الشعر، وإن كان فنا أدبيا قديما قدم اللغة ذاتها، أشد مما كانت عليه في أي وقت مضى، في ظل الاضطرابات الراهنة… نحن باعتبارنا مؤتمنين على هذا العالم الذي سيعيش فيه أولادنا وأحفادنا”.
رسالة اليونسكو ليست موجهة إلى الشعر والشعراء فقط، إذ يفترض أن تكون موجهة إلى المسؤولين من مختلف مناطق العالم، قبل أن تكون موجهة إلى كل الإنسانية. من هنا، ترفع الرسالة مطلبها الإنساني المتعلق بالسلام والحوار بين الجميع، حين تؤكد أن الشعر يظل “معينا لا ينضب للحوار والتفاهم، وقد كان دائما سلاحا لمقارعة الظلم والذود عن الحرية”. وخلصت بوكوفا إلى أن الاحتفاء باليوم العالمي للشعر هو احتفاء “بقدرتنا على الالتئام متسلحين بروح التضامن، وبقدرتنا على تسلق قمم زماننا المكفهرة”.
سلطان حر
في كل سنة، واحتفاء باليوم العالمي للشعر، يقترح “بيت الشعر في المغرب” على شاعر مغربي أو عربي أو عالمي كتابة كلمة بالمناسبة. “كلمة الشاعر” لهذه السنة كتبها الشاعر المصري أحمد الشهاوي، وحملت عنوان “سلطان الشاعر وسلطة الشعر”، وقد شددت على الحاجة إلى الشعر، أيضا، حيث “سيبقى الإنسان في حاجة إلى الشعر، لأن له سلطة على الروح، إذ يخشاه الفقيه والسلطان معا”، هذا الشعر الذي ينبغي أن يظل “في مواجهة القمع والاستبداد السياسي والديني”.
ويبايع الشاعر الشهاوي الشعر، ويمنحه سلطته وسلطانه، فالشعر عنده هو “السلطة حيث لم تعد هناك سلطات أخرى يمكن التعويل عليها، إذ هو يشكل بناء الإنسان، ويسهم في بناء حضارته، لأن الشعر هو حضارة العمارة الحديثة”.
ويرى الشاعر في كلمته أن السلطات -وعلى امتداد العصور- حاولت على درجات استبدادها أن تخلق سلطات بديلة لسلطة الشعر، لكن الفشل والإخفاق كانا حليفيْها. ويبقى الشاعر على يقين من أن الشعر هو المنتصر الوحيد في ما يسميه معركة أمل التحرر والفكاك من أي سلطةٍ مطلقة، تمارس دكتاتوريتها ضد الأهل وأهل الكتابة خصوصا، أو أي استبداد غاشم يقسو على شعب الشعر.
(العرب)