جان ميشيل فرودون: العرب يفتقرون إلى سياسة سينمائية
مخلص الصغير
يتساءل الناقد السينمائي الفرنسي جان ميشيل فرودون في كتابه الأخير “ما الذي تفعله السينما؟” عما إذا كانت للسينما أسرار بعينها، هي التي تجعلنا ننبهر بها، في هذا الحوار يكشف لنا فرودون البعض من تلك الأسرار، وهو يقول “للسينما ألف سر وسر: أسرار تقنية، وأسرار فنية، وأسرار مالية، وأسرار بشرية وعاطفية، وأسرار سياسية”.
ويذكرنا بأنه حاول في الكتاب المذكور عرض العديد من الأسرار التي أماط اللثام عنها، وأسرار أخرى لم يكتشفها، ولكنه عمل على تقريبها من الناس وجعلهم يطلعون عليها، حتى وإن كانت معروفة، غير أن الأهم، في نظره، هو أن “السينما تظل لغزا، وهذا اللغز لا يجدر الكشف عنه، أو السعي إلى الكشف عنه، أولا، لأن ذلك مستحيل، وثانيا، لأن اللغز هو الذي يمنح السينما جمالها وأهميتها”.
ونعود بفرودون إلى تساؤل آخر، سبق أن طرحه وقاربه في كتابه “النقد السينمائي”، الذي صدر سنة 2008، وهو سؤال “لماذا يصلح النقد السينمائي؟”، أما سؤالنا فهو ما إذا كانت قد تشكلت لديه إجابات أخرى، غير تلك التي قدمها منذ نحو عشر سنوات؟
ومع ذلك، لا يزال جان ميشيل فرودون على يقين مبدئي وراسخ مفاده أن النقد السينمائي ضروري من أجل “مواكبة لغز الأفلام والأسرار التي تحف بها، وعرضها وتقاسمها مع قارئ النقد السينمائي، أكان شاهد الفيلم، أم أنه سيشاهده بعد، أم أنه لن يشاهده أبدا”.
والنقد السينمائي حسب محدثنا، “لا يصدر أحكاما، كما تفعل المحاكم، وهو لا يمنح نقطا، على غرار المدرسين”، بل هو “فن محبة السينما، والعمل على نشر هذا الحب، بفضل الأدب”. لكن الناقد ينبهنا إلى أنه لا يمكن لنا أن نعشق كل الأفلام، بل أن نعشق السينما، وباسم هذا الحب، “من المشروع أن يُظهر النقد السينمائي كيف أن بعض الأفلام تخون السينما، وتحتقر شخصياتها، وكتاباتها، وبالتالي جمهورها”.
وعن الممارسة النقدية في السينما، يرى أننا “لا نحتاج أن نكون متخصصين لنكتب نقدا سينمائيا، يكفي أن نحب السينما ونحب الكتابة”، وهو يتابع الآن نقدا سينمائيا يصدر في الجرائد وينشر على الإنترنيت، على يد شباب غالبا ما يكتبون نقدا بالغ الأهمية.
وعن حكم “الذهاب إلى السينما”، وهذه العادة التي تحدث عنها سيد فيلد، وكيف انحسرت خلال السنوات الأخيرة بفعل هيمنة وسائط العرض الجديدة من الفضائيات إلى الهواتف واللوحات الذكية، ينادي جان ميشيل فرودون بضرورة توفير “سياسة ثقافية تعمل على التعريف بأفلام مختلفة والترويج لها، في القاعات السينمائية وفي القنوات التلفزيونية”.
ويرى الناقد الفرنسي أنه لا بد أن تحضر السينما بقوة في وسائل الإعلام (وليس فقط النجوم)، حيث يقول “يجب أن نتحدث عن السينما في المدرسة، ويجب على المسؤولين السياسيين والثقافيين والتربويين أن يساهموا في التعريف بأهمية السينما، كوسيلة للترفيه ولفهم العالم الذي نعيش فيه ولفهم تنوع البشرية وفهم التاريخ والجغرافيا واللغات الأجنبية والموسيقى، وغير ذلك”، وبحسبه دائما، فإن من بين مظاهر أصالة السينما وتفردها كونها ممارسة جماعية، وإن كان الفيلم نتاج صياغة تقوم على رؤية مؤلف فرد.
وفي المقابل، يرى فرودون أن تحديات السينما لا تكمن في “مشاهدة السينما”، فقط، بل في “متابعة السينما”، وهو ما يجعل السينما في حاجة ملحة إلى خلق نقاشات وسجالات وصراعات فكرية ونقدية بناءة تثير الجميع لمشاهدة السينما ومتابعة الممارسة السينمائية، وهذا ما لا يقتصر على المثقفين فقط، بل على جميع شرائح المجتمع.
ويبقى جان ميشيل فرودون من المنشغلين بوضع السينما في العالم العربي، أيضا، والعالم الثالث عموما، وهو الذي سبق أن نبه إلى خطورة غياب قاعات للعرض السينمائي في العالم الثالث، حيث يتواصل نزيف إغلاق القاعات السينمائية الواحدة تلو الأخرى.
ويرى محدثنا أن الدول العربية ودول العالم الثالث إنما تعتمد سياسة سينمائية ينقصها التوازن، حيث تبذل جهودا جبارة في الإنتاج، وفي المقابل يتم إهمال القاعات السينمائية.
وفي هذا السياق، يقرّ فرودون بأنه من المستحيل على المدى المتوسط أن ينشأ نشاط سينمائي حي ومتميز، في غياب سياسة ثقافية في مجال السينما، فالسينما صناعة سينمائية، وثقافة أيضا، ولأنها صناعة فلا بد من تدخل المؤسسات على الخط، كي تستطيع بناء هذه الثقافة السينمائية، ونشرها في الفضاءات العامة، وفي الفضاءات التربوية قبل ذلك، لأن التربية على السينما، كما يقول، هي مثل التربية على جميع القيم في حياة الإنسان.
ويخلص جان ميشيل فرودون إلى أن الدول العربية، مثل كل دول العالم الثالث، لا تزال تفتقر إلى سياسات سينمائية شاملة، قادرة على النهوض بالسينما في المجتمع، ومن ثَم نهوض المجتمع بالسينما.
(العرب)