عالم الاجتماع المصري السيد يسين من التنظير الاجتماعي إلى التنظير للنظام
![](/wp-content/uploads/السيد-يسين-1.jpg)
محمد عبد الرحيم
يعتبر الباحث الاجتماعي السيد يسين (1933 ــ 2017) من الأصوات الأكثر جدلاً في الثقافة المصرية، بداية من المناصب التي شغلها، والآراء التي تثير الكثير من الصخب حولها، إضافة إلى مثابرته وغزارة إنتاجه، سواء في مقالات ومؤلفات تناولت قضايا شائكة في المجتمع المصري والعربي، ولعل أهمها قضية السلطة والثورة والنظام الحاكم، وتبرير وجوده. الاختلافات مع الرجل لا تحصى.
ولا ننكر مجهود الرجل في مراحله الأولى من محاولة نقل النظريات الحديثة الخاصة بعالم الأدب، وقد عاصر ثورة الطلبة في فرنسا عام 1968، لكن الاحتماء بالسلطة والعيش في ظِلها هو ما جعل وجهته النقدية والتنظيرية تختلف تماماً، ويصبح أحد أهم رجالها المخلصين. لذا كان الاستناد إلى بعض مؤلفاته، والكثير من مقالاته وحواراته الصحافية لاستعراض هذه الآراء وعرضها على القارئ.
التحليل الاجتماعي للأدب
يعتبر «التحليل الاجتماعي للأدب» الصادر في طبعته الأولى عام 1970 من أهم مؤلفاته في هذا المجال، ومن خلاله فتح الباب أمام العديد من الدراسات النقدية حول السياق الاجتماعي والنتاج الأدبي. وإن أصبحت هذه الدراسات تدخل في إطار الكلاسيكية الآن، إلا أنها في وقتها كانت نقطة مهمة في تحوّل المنظور النقدي المصري والعربي. يتناول الكتاب عدداً من القضايا والدراسات النظرية والتطبيقية، حيث إمكانية تطبيق المنهج العلمي ما بين النقد الأدبي والعلوم الاجتماعية، واستعراض مشكلات علم الاجتماع الأدبي وتطبيقاتها، خاصة في ما يتعلق بمؤلف العمل الأدبي، بداية من طبقته الاجتماعة وانتماءاته الفكرية، كذلك طبيعة العمل نفسه وماهيته كشكل أو جنس أدبي، وصولاً إلى المتلقي، الذي يشكل بدوره فئة اجتماعية أخرى. وجاءت تطبيقات الكتاب من خلال أعمال ارتبطت بسياقها الاجتماعي والسياسي، كأعمال لنجيب محفوظ ويوسف إدريس وجمال الغيطاني.
دعم يسين مبارك المخلوع ونظامه إلى حدٍ كبير، وكان أحد المثقفين الذين يمررون اجتهادات السلطة ورؤيتها عبر أدوات ووسائل معرفية. فقد اختاره جابر عصفور، الأمين العام للمجلس الأعلى للثقافة خلال حكم المخلوع، ليكون رئيس «لجنة رصد المتغيرات الوطنية»، وليتولى وضع تقرير عن المتغيرات السياسية والاجتماعية والاقتصادية التي حدثت في مصر، تمهيداً لوضع استراتيجية الثقافة المصرية برؤية جديدة. لم يتخذ يسين موقفاً معارضاً لسياسات استمرت طوال 30 عاما، بل عمل على شرعنتها والترويج لها. ففي ما يتعلق بالمادة 76 من الدستور المصري الذي كان معمولاً به قبل 25 يناير/كانون الثاني 2011 التي تعدلت عام 2005 قبل انتخابات الرئاسة المصرية ــ أحد أهم أسباب قيام الثورة ــ يقول يسين في مقال له في هذه المناسبة.. «وليس لدينا شك في أنه مع إقرار مبدأ التنافسية في الانتخاب المباشر لرئيس الجمهورية، وبغض النظر عمن سينافسون مع الرئيس مبارك فإنه هو الذي سيكتسح الانتخابات لأسباب متعددة، لعل أهمها هو مصداقيته الســـياسية المتميزة فهو أحد أبناء ثورة 23 يوليو/تموز 1952 التي هي أساس شرعية النظام الحالي، وهو من أبرز قادة القوات المسلحة، ومن أبطال حرب أكتوبر/تشرين الأول الذين صنعوا النصر، وهو أخيرا الزعيم السياسي صاحب الخبرة الدولية الواسعة التي استفاد منها في تحقيق الاستقرار لمصر ودفع مشاريعها التنموية».
انقلاب سياسي وانفلات اجتماعي
منذ البداية يرى يسين أن ما حدث في 25 يناير هو خطأ كبير وعواقبه الوخيمة لا تعد ولا تحصى. فهي تمثل خروجاً سافراً عن السياق، فانحاز لوجهة نظر التيار الرافض لها ــ رغم أنه اعترف بحق المصريين في العيش والكرامة الإنسانية، وهي أبرز شعارات الثورة ــ إلا أنه اعتبرها مؤامرة خارجية تستهدف تقويض مصر، وكان رأيه أن سقوط النظام سيقود حتماً إلى الفوضى. وكان يدعو إلى الإصلاح التدريجي، مع الحفاظ على النظام. وفي مؤلفه «ثورة 25 يناير بين التحول الديمقراطي والثورة الشاملة»، وهو تجميع لعدد كبير من المقالات في عدة صحف ومواقع إلكترونية، يستخدم الكاتب لفظة (هَبّة شعبية)، ذلك في المقالات التي كتبها قبل تنحي المخلوع في 11 فبراير/شباط 2011، لتصبح بعد ذلك (الثورة الشبابية المصرية). وأصبح يستخدم وصف (الثورة) في كل مقالاته اللاحقة. وبعد الضربات المتوالية للثورة، أصبحت آراء يسين أكثر صراحة، فيقول «ما حدث في 25 يناير انقلاب سياسي وانفلات اجتماعي، بمعنى أن المصريين جميعاً أصبحوا يعملون في السياسة، وبات هناك إسراف في العمل في السياسة، والكل أصبح يفتي، سواء كان يعلم أو لا يعلم. إن مطالب بعض الناشطين الذين رفعوا شعار (آن الأوان لدولة العواجيز أن ترحل) لا تصح، فلا مجتمع حقيقياً ينحّي أجيالاً كاملة من القرار أو التفكير. الأجيال الجديدة لا تقرأ وكل ما يهمها هو فيسبوك وتويتر والشات.. أي كلام عن تمكين الشباب كلام فارغ تماما، دول شوية عيال، مفروض يتعلموا ويتدربوا وبعدين يبقوا يمكنوهم، مفيش مجتمع ممكن يفكر بالطريقة دي، ومفيش بلد ممكن يقف على رجليه لو خضع لابتزاز الشباب».
الانقلاب الديمقراطي الشعبي التقدمي
أما في ما يخص دور المجلس العسكري وما حدث في 30 يونيو/حزيران، فآراء الرجل لم تتغير، وظلت عقيدة الوفاء للنظام هي الأسمى، حتى لو خالفت الحقيقة، وظهر داعماً للمجلس العسكري، الذي حكم مصر خلال الفترة الانتقالية، وكثف من كتاباته لمواجهة الصعود الكبير للإخوان، كأحد أبرز الفاعلين الجدد في الحياة السياسية المصرية وقتها.
واعتبر أن أيديولوجية الإخوان تتنافي مع الديمقراطية وتداول السلطة، بل تتعارض مع مفهوم الدولة المدنية، فقام بتنظيم العديد من المؤتمرات ــ مدعوماً من المجلس العسكري ــ لمواجهة النفوذ الإخواني، وسعيهم إلى السيطرة على مفاصل الدولة عـــــبر سيـــــاسة ما يسمّى بـ (الأخونة) التي اتبعوها، وكان ينطلق من أن حكم الجماعة يشكل تحديا حقيقياً لمصر، وهو حكم استبدادي، خاصة بعد الإعلان الدستوري، الذي أصدره محمد مرسي في ديسمبر/كانون الأول 2012، بهدف الاستحواذ على السلطات الثلاث في البلاد.
الثورة المباركة
يصك يسين مفهوماً عجائبياً سماه بـ(الانقلابات العسكرية الديمقراطية) ولم يبخل بتعريفه، فهو «انقلاب عسكري ضد حكم غير ديمقراطي يفتح الباب للديمقراطية». ويرى أن هذا الانقلاب الديمقراطي قد طُبق على ثورة 25 يناير/كانون الثاني، والمتمثل في ضغط المجلس العسكري على المخلوع بترك الحكم. وهو نفسه ما حدث في 30 يونيو/حزيران. وفي أحد حواراته الصحافية ذكّره المحاور بمقال له في 2012، حيث قال نصاً «ليس من حق أي جماعة سياسية أن تدعو لإسقاط رئيس الجمهورية، حتى لو كانت تختلف معه اختلافاً سياسياً جسيماً، لأنه وفقاً للقواعد الديمقراطية إسقاطه يتم بالانتخابات الرئاسية». فكان رده «ليس صحيحاً على الإطلاق، فقد كتبت ذلك في البداية، وكنت أرى أنه ما دمنا لجأنا إلى شرعية الانتخابات فيجب أن لا نتحدث في اللحظة نفسها عن شرعية الميدان، وإلا أصبحت فوضى. لكننا في 30 يونيو لجأنا إلى شرعية الميدان. وفي مجال الديمقراطية هناك فارق بين آليات الديمقراطية ــ كشرعية الصندوق ــ وقيم الديمقراطية.
في حضرة وعي الرئيس
وفي لقاء أخير بالرئيس الحالي والمثقفين، وقد حضره الراحل، يقول يسين «المشهد كان مؤسفاً جداً، لأول مرة أرى رئيس الدولة أكثر وعياً وقدرة على التواصل من المثقفين، الذين لا يهتم كل منهم إلا بأن يتحدث، رغم أنهم فعلياً لم يقولوا شيئاً له قيمة». ويبدو أن شهادة الحق تتجلى في العبارة الأخيرة، وتصف حال مثقفي النظام في كل وقت، بـ«أنهم فعلياً لم يقولوا شيئاً له قيمة».
بيبلوغرافيا السيد يسين
كاتب وباحث في علم الاجتماع. ولد في 30 أكتوبر/تشرين الأول عام 1933 في محافظة الإسكندرية. وتخرج في كلية الحقوق في جامعة الإسكندرية. انضم في عام 1950 إلى جماعة الإخوان المسلمين وقت دراسته الثانوية، وانفصل عنها بعد تخرجه في الجامعة، وقد انضم آنذاك إلى الاتحاد الاشتراكي لسان حال النظام الحاكم وقتها.
عمل باحثاً مساعداً في المركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية من عام 1957 إلى عام 1963، ثم مديراً لمركز الدراسات السياسية والاستراتيجية في مؤسسة «الأهرام» ما بين عامي 1975 و1994، وأستاذاً في المركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية من عام 1994.
المؤلفات
له الكثير من المؤلفات المتباينة الموضوعات، منها «أسس البحث الاجتماعي» 1963، «التحليل الاجتماعي للأدب» 1970، «الشخصية العربية بين تصور الذات ومفهوم الآخر» 1973، «السياسة الجنائية المعاصرة ودراسة نقدية للدفاع الاجتماعي» 1973، «تحليل مفهوم الفكر القومي» 1978، «مصر بين الأزمة والنهضة» 1990، «دراسات في السلوك الإجرامي» 1995، «حوار الحضارات في عالم متغير» 1995، «ثورة 25 يناير بين التحول الديمقراطي والثورة الشاملة» 2011. «الزمان الثوري» 2014، «الشخصية العربية» 2015، «شبكة الحضارة المعرفية» 2016 و»نقد الفكر الديني» 2016.
الجوائز
نال يسين العديد من الجوائز، أهمها: وسام الاستحقاق الأردني من الطبقة الأولى عام 1992، وسام العلوم والفنون والآداب عام 1995.
كما حصل على جائزة الدولة التقديرية في العلوم الاجتماعية عام 1996.
(القدس العربي)