الحضارة المصرية في أساطير العرب سحر وطلاسم
ناهد خزام
في كتابه “مصر في الأساطير العربية” يرجع الباحث عمرو عبدالعزيز أسباب التفسيرات الخرافية التي طالت الآثار المصرية إلى الجهل باللغة المصرية القديمة، ورغبة الناس في وضع تفسيرات لما يرونه من شواهد على عظمة هذه الحضارة.
خرافات المؤرخين
يستند الكتاب، الصادر عن المجلس الأعلى للثقافة في القاهرة، إلى العديد من هذه المرويات والكتابات التي وردت في كتب المؤرخين والرحالة العرب والمسلمين منذ الفتح الإسلامي لمصر، ومن بينها على سبيل المثال ما ذكره المقريزي في أسباب بناء الأهرام إذ يقول “قال جماعة من أهل التاريخ إن الذي بنى الأهرام سوريد ابن سلهوق ابن شرياق ملك مصر، وكان قبل الطوفان بثلاثمئة سنة، وسبب ذلك أنه رأى في منامه كأن الأرض انقلبت بأهلها، وكأن الناس هاربون على وجوههم، وكأن الكواكب تساقطت ويصدم بعضها بعضاً، بأصوات هائلة، فأغمه ذلك وكتمه..
فانتبه مذعوراً وجمع رؤساء الكهنة من جميع أعمال مصر وكانوا مئة وثلاثين كاهناً، فأخبروه بأمر الطوفان، فأمر عند ذلك ببناء الأهرام وملأها طلسمات وعجائب، وأموالاً وخزائن، وجمع فيها ما قاله الحكماء، وجميع العلوم الغامضة، وأسماء العقاقير، منافعها ومضارها، وعلم الطلسمات، والحساب والهندسة والطب، وكل ذلك مفسر لمن يعرف كتابتهم ولغاتهم. فلما فرغ منها كساها ديباجاً ملوناً من فوق لأسفل وجعل لها عيداً حضره أهل مملكته كلها”.
بعض هذه الكتابات أسهبت في وصف هيئة الأهرام، وما كانت عليه بعد الفتح العربي لمصر، ما يمثل مؤشرا على التغير الذي لحق بشكل الأهرام التي كانت مغطاة بطبقة ملساء مزينة بالنقوش والكتابات الهيروغليفية. ففي كتاب الإفادة والاعتبار للبغدادي يقول “والعجب في وضع الحجر بهندام ليس في الإمكان أصح منه، بحيث لا تجد بينهما مدخل إبرة، ولا خلل شعرة، وبينهما طين كأنه الورقة، لا أدري ما صنعته ولا هو”.
ويقول أبوالصلت في كتابه الرسالة المصرية “ورأينا سطوح كل واحد من هذين الهرمين مخطوطة من أعلاها إلى أسفلها بسطور متضايقة متوازية من كتابة بانيها، لا تعرف اليوم أحرفها ولا تفهم معانيها”.
لم تخل هذه الروايات أيضاً مما أشيع عن معرفة المصريين القدماء بالسحر، فكانت الكتابة المصرية القديمة بالنسبة إلى هؤلاء المؤرخين لا تخرج عن كونها نوعا من الطلاسم السحرية التي لا يعرف ألغازها إلا من وضعها.
يقول التلمساني في معرض حديثه عن الأهرام “يحكى أن الذي بناها ملك يقال له سلموق بن درمسيد، الذي أغرقه نوح بالطوفان، وأنه لما بناها وكل لكل هرم منها روحانياً يحفظه، فوكل بالهرم البحري وهو المفتوح الآن روحانياً في صورة امرأة عريانة، ولها ذوائب تصل إلى الأرض، فإذا أرادت أن تستفز الإنسي ضحكت في وجهه وجرته إلى نفسها فتطعمه وتسخر به، وحكى من رآها عريانة عند هذا الهرم أنه امتلأ قلبه رعباً، ووكل بالهرم الذي جانبه روحانياً في صورة غلام أمرد، وذكر جماعة أنهم رأوه على جانبه مرة بعد مرة، ووكل بالثالث -وهو الصغير- روحانياً في صورة شيخ في يده مبخرة وعليه ثياب الرهبان، وذكر قوم من أهل الجيزة أنهم رأوه مرات في أطراف النهار، فإذا قربوا منه يغيب عنهم ولم يظهر، فإذا بعدوا عنه عاد إلى حالته التي كان عليها”.
واسترعى تمثال أبوالهول المجاور للأهرامات انتباه المؤرخين، وحظي هو الآخر بنصيبه من التفسيرات السحرية، وكان أبوالهول في ذلك الوقت، أي حوالي القرن الثالث عشر، مغطى معظمه بالرمال ولا يظهر منه سوى الرأس والكتفين.
التخريب والكنوز
ومما يشير إلى أن التنقيب عن المقابر المصرية القديمة كان شائعاً في العصور الإسلامية ما ذكره المقريزي في معرض حديثه عما يتم العثور عليه من ذهب الفراعنة، إذ تطرق إلى ما سماه بـ”علم الكنوز”، وهو علم نشأ في مصر كما يقول “لا يدركه إلا من درس الأوراق القديمة واستطاع فك طلاسم العلامات والرموز التي تركها أصحاب هذه الكنوز”، ويقصد بها اللغة المصرية القديمة.
وكان التنقيب عن الآثار المصرية أو استخراج الكنوز أشبه بالحرفة يحترفها بعض الناس حتى فُرضت على العاملين في هذا المجال المكوس والضرائب. وكانت هذه الكنوز تسمى بـ”المطالب” والباحثون عنها يطلق عليهم “المطالبية”، وصفهم البلوي كاتب سيرة أحمد بن طولون بأنهم كانوا يرتدون الصوف، ويتجولون خارج المدن باحثين عن الكنوز المدفونة بعيدأً عن أعين الناس والحكام.
ولم يكن البحث عن هذه المقابر في سبيل الذهب فقط، إذ كانت تستخرج المومياوات أيضاً لتطحن عظامها لما شاع بين الناس عن فائدتها في علاج الأمراض. ويذكر الباحث عمرو عبدالعزيز في كتابه أن الطبيب العربي ابن سينا قد ذكر المومياء ودافع عن استخدامها في علاج عدد من الأمراض، وأن حديثه عنها قد ورد في مخطوطة محفوظة في مكتبة “سان ماركو” في فلورنسا. وقد شاع هذا الاعتقاد أيضاً في أوروبا خلال العصور الوسطى حتى صارت المقابر المصرية القديمة مقصداً للتجار الأوربيين بحثأً عن هذه المومياوات، وكان ذلك سبباً في نهب الكثير من المقابر، وما لحق بما كان موجوداً من آثار من تخريب.
فكرة اللعنة التي تصيب من يعبث بقبور الفراعنة والتي طفت على السطح بعد اكتشاف مقبرة توت عنخ آمون في بداية القرن الماضي وما أحيط بها من ملابسات لم تكن أمراً مستحدثاً، بل كان لها وجود قوي خلال العصور الوسطى أيضاً. يرى الباحث عمرو عبدالعزيز أن القصص التي تدور حول هذا الموضوع كثيرة، ولكنها تشترك جميعاً في صفة واحدة وهي المبالغة التي تعكس الانبهار بالحضارة المصرية القديمة، والتي تنسب الكثير من منجزات هذه الحضارة إلى أعمال السحر والخوارق.
(العرب)