‘كوكب بتنجان’ .. التخيل البصري والذهني
السيد الزرقاني
“هذه الصفات ليست من صفات سكان كوكب بتنجان علي الإطلاق ولكنها صفات موجودة بين الأرضيين، حيث تلوثت المباديء، وتم اغتيال معظم الاخلاق واصبحت الخيانة وسيلة للتباهي، وكسب الرزق سواء كانت خيانة للاشخاص أو خيانة للاوطان !”
هذه هي رؤية الكاتبة “مروة الجمل” في روايتها الأخيرة “كوكب بتنجان” الصادرة عن دار “الجمل للطبع والنشر في 190 صفحة وهي من حكايات الفنتازيا، وهي نوع أنواع الكتابة الادبية أو الاعمال السينمائية التي تعتمد على الرؤية الخيالية للكاتب التي تتخطى حدود الواقع الذي يعيش فيه وتحتاج الى مشاهد الرعب وااللامستحيل في حدوثها بشكل ديناميكي في ترتيب الأحداث.
الكاتبة تحمل أفكارا تريد ان تتنكر منها في كوكبنا فهربت الى عالم من الخيال والبحث عن كوكب آخر، واختارت اسما لهذا الكوكب “كوكب بتنجان” تندرا وسخرية من بعض الافعال التي تحدث علي كوكب الأرض، ونجحت في خلق حكايات اجتماعية لتوصيل رسالتها للقاريء من خلال ربط خيالي يعتمد علي قدرة فائقة من القاريء في التخيل البصري والذهني لمجريات الأحداث من بداية الفصل الاول الذي حمل عنوان “(سرحان ) برنس كوكب بتنجان”.
ولم تنس الكاتبة ان تضع القاريء على اول “عتبة “من عتبات الرواية، وهي عبارة عن مقدمة وصفية لهذا المسرح الحيوي الذي تدور عليه معظم مشاهد الرواية، حيث قالت “تميز بشوارعه البيضاء التي يتخللها بعض النتوءات الدائرية حاجة تشبه المطبات ولكنها اسفنجية وطرية، وسماء بنية أشبه بالتربة الخصبة لكوكب الأرض… وبها السحب الخضراء والحمراء والبرتقالية التي تمطر مالذ وطاب من الخضروات والفواكهة الشهية… ولا تخلو شوارع كوكبنا من المجاري المائية العذبة ذات الطعوم المختلفة… أما عن سكان كوكبنا فهم مثل البشر الارضيين ولكن بأفكار مختلفة كليا لا يهتمون بالمظاهر ولا بالأشكال الخارجية يهمهم الروح والعقل”.
نجحت الكاتبة في ربط العادات والتقاليد الحياتية للبشر من العمل والإنتاج والحب والزواج في أسلوب مشوق وجميل من خلال لغة سهلة وحوار متداول بين أبطال الرواية “سرحان – عواطف” وأضافت بعض القيم السامية التي طالما فقدناها علي كوكبنا الآن حيث نري “سرحان “لا يمانع في تبني ابتسام” ابنة عواطف التي يحبها ولم تحدث أي أزمة أو عقبة في سبيل العيش في حب حتي رزقه الله توأما من الأبناء وعاش الجميع حياة سعيدة.
ولم تنس الكاتبة ان ترسل رسالة شديدة اللهجة في حالة الارتباط بين “سرحان” من جهة وشقيقته “تسانيم” وأصدقاء الطفولة رغم ما حدث لهم جميعا في جبل الحواديت من تغير الأقدار واختفاء “ريم” شقيقة “سمعان”.
كما جاء الحكم على ياسمين إعلانا ان الاقامة على كوكب الأرض هو نوع من العقاب لما يمكن ان يرتكبه أي شخص على هذا الكوكب المتفرد في سلوك من اختار العيش عليه وهو ضرورة الالتزام بما تم التعارف عليه من سلوك قويم ارتضي به كل من يعيش على سطح هذا الكوكب.
الكاتبة لا تجد أي مشكله في حل عقد الرواية حيث نرى سهولة ويسر في حل مشكلة اختفاء ابتسام بمعرفة أبيها وعشيقته “ياسمين” انتقاما من عواطف وسرحان، وكذالك نجد الكاتبة في نهاية روايتها تأخذنا على العالم الخيالي لها وطقوس الكهوف وأعمال السحر في القرون الماضية لإعادة “تسانيم” الى طبيعتها الإنسانية مرة أخرى.
وربما كان الفصل الأخير هو أضعف فصول الرواية من حيث البناء الدرامي في فض الاشتباك بين أحدثها وربما لجوء الكاتبة الي تسهيل كل السبل والتحرك أفقد حالة التشويق في خاتمة تلك الرواية.
وأخيرا كان “كوكب يحمل العديد من القيم التي نتمني أن تصاحبنا في حياتنا اليومية علي كوكبنا الارضي بدلا من الهروب بين دفتي رواية “كوكب بتنجان”
(ميدل ايس اونلاين)