اليمني خالد الورد: لا أؤمن بإفناء العُمر الفني مُقلِداً للآخرين

أحمد الأغبري

قال الفنان اليمني خالد الورد، خلال افتتاح معرضه في مؤسسة بيسمنت (القبو) الثقافية في صنعاء، إن أقدم علاقة يمنية بفن الخط العربي كانت في سبعينيات القرن الماضي، أما قبل ذلك فلم تتجاوز علاقتها بالكتابة العربية كمرحلة سابقة لظهور فن الخط العربي. وأضاف، في محاضرة ألقاها على هامش الافتتاح: إن ما تضمنته المخطوطات اليمنية تقول بتأخر ظاهرة الخِطاطة العربية في اليمن كثيراً، وحتى بعد ظهورها في سبعينيات القرن الماضي؛ فإنها ما زالت محدودة وتعاني من مشاكل عديدة، مشيرا إلى ما اعتبره «الجمود والعزلة بسبب اشتغال فناني الخط العربي في اليمن على تقليد ما قدّمه أعلام فن الخط في مراحل مختلفة».
وهنا لابد من الإشارة إلى أن تاريخ فن الخط العربي في اليمن لم يُكتب حتى اليوم، وبالتالي من الصعب إطلاق أحكام، خاصة التي تقول بعدميته في مراحل معينة، لاسيما أن ثمة مراحل في التاريخ اليمني كان فيها الفن الإسلامي حاضراً، وتشهد عليه مآثره الباقية حتى اليوم، خاصة في عصر الدويلات المستقلة، عقب انهيار الدولة العباسية، وتحديداً في عهدي الدولتين الرسولية (626 ـ 858 هـ) والطاهرية (855هـ -932هـ) اللتين شهدت فيهما اليمن تطوراً علمياً وفنياً، بما في ذلك فنا العمارة والزخرفة اللذان ارتبطا بتطور فن الخط في التاريخ الإسلامي.. وتدلل على ذلك ما سجلته جدران بعض المساجد والمدارس العلمية التاريخية في حواضر تعز ورداع وصنعاء وغيرها من المُدن اليمنية، التي لا تزال زخارفها الخطية والزخرفية لوحات عبقرية الصنع، ويكفي التدليل بزخارف المدرسة العامرية في رداع (وسط)، التي فازت بجائزة الآغا خان للزخرفة والعمارة الإسلامية عام 2007. وتُعد (العامرية) آية في الفن الإسلامي. وهنا لا يمكن، بأي حال، فصل الزخرفة الإسلامية عن الخط باعتبارهما جناحي الفن الإسلامي.

التقليد

كما أشار خالد الورد، الذي يُعدّ من الخطاطين اليمنيين المحترفين، إلى ما اعتبره امتداد ظاهرة التقليد في الخط العربي، حتى تكاد تطغى على مُجمل مشهد الخط العربي في الوقت الراهن، من خلال ما وصفه تعلق أعمال الخطاطين بنماذج من أعمال أعلام الخطاطين؛ وهو ما يمثل، من وجهة نظره، تجميداً لتطور الخط العربي عند محطات معينة، مُطالباً الخطاطين – بما وصفه- بالتحرر وإطلاق العنان لأرواحهم في التعامل الآني مع العمل الفني وفق رؤاهم، على أن يُترك النقد الفني ليقول كلمته، ومثل هذا هو ما يمكنه أن يصنع تطوراً وتجديداً، حسب رأيه.
وقال: أرفض أن يفني المرء عمره مُقلِداً للآخرين. واستدرك موضحاً: من المُهِم احترام التراث وما قدمه الأوائل؛ فمنجز السلف محط تقدير وإجلال، لكن لا يعني بالضرورة أن نتوقف عندهم، إذ لا بد أن نستوعبه ونضيف إليه في الوقت ذاته؛ وذلك لن يتأتى إلا من خلال التعامل مع الخط بتلقائية ودقة.

التكوين

وبخصوص أعماله التي قدمها في المعرض؛ أوضح الورد، الذي يُدير مركزا للتدريب والتأهيل في فن الخط العربي في صنعاء، إنها لم تخضع لأي شكل من أشكال التعديل والحذف والإضافة؛ فهي – حسب قوله- بنات لحظاتها، واقتصر التعامل معها على ما قال إنها الـ50% الأولى من العمل، موضحاً: يتوزع وقت إنجاز العمل الفني في الغالب بين 50% خاصة بالكتابة و50% يستغرقها الفنان في الحذف والتعديل والإضافة، والـ50% الأخيرة تمثل – وفق رأي الورد- تعدياً على روح العمل الفني التي تجسدها تلقائية الفنان لحظة التكوين الأولى.
وقال: كل أعمالي التي عرضتها هي بنات لحظاتها، وأي منها لم يستغرق مني أكثر من نصف ساعة، حيث لم تخضع لأي أعمال تعديل وإضافة، ولهذا تتسم بالتلقائية والعفوية والبساطة والوضوح، وتمثلني أنا، وإن كانت خارجة على بعض قواعد الخط العربي؛ لأنني أترك لنفسي تلقائية التعبير وأدخل بدون مقدمات في العمل الفني مع اهتمامي بالإخراج خلال الكتابة.

إسطنبول

وكان الورد قد استعرض مسارات تطور ما أسماه الخِطاطة العربية، التي قال إنها تأخرت كثيراً، ولم تظهر إلا مع أواخر عصر الدولة الأموية، حيث ازدهر الخط العربي في دواوين السلاطين، كما أسهمت تطورات المعمار في تطوير الخط والزخرفة العربية، وهو ما تجلى واضحاً في عصر الدولة العباسية ومنها انتقلت إلى عصر الدويلات، متوقفاً عند ما قدمته فارس، ومن ثم في ما عُرف لاحقاً بالمدرسة التركية أو العثمانية.

إشارة

وخلال ذلك لم يشر خالد الورد – للأسف – إلى إسهامات ما عُرف لاحقاً بالمدرسة العراقية، ومن ثم المدرسة المصرية كمرحلة متطورة عقب مرحلة المدرسة التركية العثمانية، حيث استطاعت المدرستان العراقية والمصرية أن تسهما بدورٍ فاعل ومؤثر في تطوير فن الخط العربي، من خلال تجارب عدد من الأعلام، حيث استوعبت هاتان المدرستان تطورات ومثالب المدارس السابقة؛ لتصنعا تحولاً في مسار فن الخط العربي؛ ويكاد الواقع الراهن في هذا الفن متوقفاً عند ما قدمته هاتان المدرستان؛ أما ما يتعلق بانبهار معظم أعلام فناني الخط العربي في الوقت الراهن بإسهامات إسطنبول؛ فهو، من وجهة نظر كاتب التقرير، نتيجة طبيعية لما أولته إسطنبول من اهتمام مؤسسي بهذا الفن من خلال المراكز والمعاهد والجوائز والمعارض، مقابل غياب عربي أصبح لا يتجاوز ما قدمته دمشق والقاهرة في القرن الماضي والشارقة في القرن الراهن، وتكاد تكون الشارقة، حالياً، هي القِبلة العربية الأولى في هذا الفن، وعلى الرغم من ذلك يبقى الجهد العربي على صعيد هذا الفن مُقلاَ لدرجة – ربما- قد لا يضاهي مُجتمعاً ما تقدمه إسطنبول.

الفن الإسلامي

قد نتفق مع الورد في ما يشهده واقع فن الخط العربي في الوقت الراهن، إلا أن مشكلته تبقى مرتبطة بالعمل المؤسسي الغائب واقتصاره على الجهود الفردية، لكن هذا لا يعني إغفال الجهود الفردية في تطوير واقعه؛ حتى إن كانت جهوداً ضعيفة إلا أنها تبقى محط تقدير، خاصة على صعيد إسهاماتها في حروفية التشكيل والرسم بالكلمات، وغيرها من التيارات التجديدية، بما فيها مهارات الزخرفة وصناعة الورق والأحبار والأقلام … ونحن بهذا قد لا نختلف، مؤكدين أن هذا الفن ما زال يعاني عربياً كثيراً من المشاكل والتحديات، ولم يلق الحد الأدنى من الاهتمام باعتباره مركزا مهماً من مراكز الفن الإسلامي.
يعمل خالد الورد موجهاً لمادة التربية الفنية في وزارة التربية والتعليم في اليمن، وله إسهامات في نقد تدريس مادة التربية الفنية في المدارس، بالإضافة إلى تجربته مع فن الخط العربي.

(القدس العربي)

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى