«رجل شريف» للإيراني محمد رسولاف: رجل وحيد في مواجهة الفساد

نسرين علام

فاز فيلم «رجل شريف» للمخرج الإيراني محمد رسولاف بجائزة «نظرة ما»، ثاني أهم تظاهرات مهرجان كان بعد المسابقةالرسمية، متفوقا على 17 فيلما اختيروا للمشاركة في نفس الفئة في الدورة السبعين للمهرجان (17 إلى 28 مايو/ أيار الجاري).
وأثنت لجنة تحكيم «نظرة ما» على الفيلم لشجاعته وجرأته وقيمته الفنية. وترأس لجنة تحكيم «نظرة ما» الممثلة الأمريكة أوماثيرمان، وتضم في عضويتها المخرج المصري محمد دياب والمخرج البلجيكي جواكيم لافوس والممثل الفرنسي من أصل جزائري رضا كاتب وكارل أوتش مدير مهرجان كارلوفي فاري السينمائي.
وكان رسولاف، المعارض للنظام الإيراني والذي اصدرت سلطات بلاده حكما بالسجن في حقه، شارك في «نظرة ما» عام2011 بفيلمه «وداعا» وفي عام 2013 بفيلم «المخطوطات لا تحترق».
في فيلمه «رجل شريف»، المشارك في تظاهرة «نظرة ما» يقدم المخرج الإيراني محمد رسولاف فيلما جريئا شجاعا، يصور كيف يسعى مجتمع قامع إلى إسكات أي صوت مغاير، وإلى تحطيم أي شخص يسعى للعيش مستقلاً خارج إطار المنظومة التي تسحقه.
يطرح رسولاف في فيلمه الذي صور سرا شمال إيران، قضايا طالما شغلته في أفلامه السابقة: الفساد الحكومي والقمع الذي يضغط بكل قوته ليسحق الفرد، الذي يعمل جاهدا ويحاول بكل ما أوتي من قوة الحفاظ على استقلاليته ومبادئه.
من المرجح ألا يعرض الفيلم في إيران، حيث حكم على رسولاف عام 2010 بالسجن ستة أعوام، تم تخفيفها إلى عام واحد، ولكن مواجهاته التي طالت مع النظام الإيراني، تعني فرض الكثير من القيود على أعماله، ومنعها شبه المؤكد من العرض داخل البلاد.
ورغم أن الفيلم يقدم نقدا لاذعا وإدانة دامغة للنظام الإيراني، إلا أنه يناقش قضايا ذات أصداء إنسانية، تتخطى حدود البلدان للنفاذ إلى قلب الفرد الذي يواجه ويتحدى للبقاء وفيا لمبادئه.
«في هذا البلد لا خيار لديك سوى أن تكون قامعا أو مقموعاً»، هكذا يقول رضا (رضا أخلاغيراد)، الشخصية المحورية في الفيلم، بعد أن ينال منه الإجهاد وطيلة الصبر والمواجهة. يقف رضا وحيدا كشجرة في مهب رياح عاتية، تحاول أن تحطمها تحطيما.
اعتزل رضا العاصمة طهران بعد أن فُصِل من جامعة لتأهيل المعلمين، لمشاركته في احتجاجات لتحسين ظروف العاملين في أحد المصانع.
وبعد مغادرة طهران، ينتقل رضا إلى الريف في شمال البلاد لينأى بنفسه وزوجتهوطفله عن المتاعب وملاحقات النظام. يبني بيتا صغيرا ومزرعة صغيرة للأسماك الذهبية التي يستخدمها الإيرانيون بكثرة لتزيين المنازل في عيد النوروز. يظن رضا أنه سيحيا في هدوء، ولكنه يجد أن الأقدار والفساد يقفان له بالمرصاد. ثمة شركة قوية غامضة تضم في عضويتها أشخاصا متنفذين فاسدين تود الاستيلاء على مزرعته الصغيرة التي يسدد أقساط أرضها بشق الانفس وبالاقتراض من المصارف. ثمة أوجه شبه بين أجواء القمع والترهيب والتهديد التي يتعرض لها رضا وأجواء فيلم «ليفاياثن» (الطاغوت) (2014) للمخرج الروسي أندريه زفيا غينتسيف. في الفيلمين تتحالف قوى الفساد الحكومي والمؤسسي والديني لتحطيم الفرد الصغير الذي يحاول أن يحافظعلى حياته البسيطة من الانهيار.
يوضح الفيلم منذ بدايته استقامة رضا والتزامه بالمبادئ التي يرضاها لنفسه، فنراه يقرر دفع الغرامة المقررة على قسط قرضه المصرفي بدلا من أن يقدم رشى وهدايا لمسؤولي المصرف للتغاضي عن الغرامة المفروضة عليه. يحظى رضا باحترام زوجته مديرة مدرسة البلدة الصغيرة التي يقيمان فيها، وهي تسانده في التمسك بمبادئه، ولكنها في الوقت ذاته تخشى عليه من وقوفه بمفرده في مواجهة التيار وتصديه بمفرده للفساد.
نشهد في الفيلم الصراع غير المتكافئ بين الفرد والجماعة. يجد رضا أنه لا سند له ولا عون في محاولته الحفاظ على مزرعته الصغيرة، فالجميع يخشون الشركة الكبيرة التي تسيطر على حياة البلدة، والجميع ينفذون أوامرها التي تقضي
بترهيب رضا حتى يتخلى عن أرضه. إنها أرض الخوف التي يخشى فيها الجميع من القمع فيتحولون إلى قامعين لكل من لا ينصاع للجماعة وللشركة الكبيرة.
تكثر المحن والاختبارات والمكائد التي يتعرض لها رضا، وتتعرض مزرعته
لتخريب متعمد، ما يعني الخراب المادي لمصدر قوته وقوت أسرته، ولكنه يحاول ألا تمسه القذارة التي يغرق فيها الآخرون. يحاول رسولاف إيجاد معادل بصري لكفاح رضا ضد أوحال الفساد، التي يغرق فيها الآخرون، فنجد أن المكان الوحيد الذي يشعر فيه رضا بالراحة والأمان هو ذلك الينبوع المختبئ وسط الجبال الذي يذهب ليستحم في مياهه، كما لو كان يغسل عن نفسه الأدران التي قد تعلق بجسده جراء تعامله مع مجتمعه الفاسد.

(القدس العربي)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى