التأليف بالصورة والسفر الجمالي إلى سحر الأمكنة والتفاصيل

شمس الدين العوني
الصورة كون من العبارة والكلام البين. هناك من عوالم الجمال ما هو مبثوث في الصورة ومشتقاتها ويكفي النظر بعين القلب تجاه المساحة المصورة لنقرأ الكثير ونتبين الكامن فيها من حياة وتواريخ وحركة ومضمون أخاذ ومتوهج. إنها حرارة الصورة وهي تبلغ عن دواخلها وعنا.

الفن الفوتوغرافي من الفنون الساحرة التي يسعى فيها الفنان الى التفاعل مع الزمن والسيطرة على لحظاته قولا بالشغف والسرعة والبغتة وفق حكايات باذخة هي ما يعلق بالصورة وما يتبقى من توهج اللحظة من عناوين الجمال والحنين والذاكرة والوعي بالتاريخ الفني والاستيتيقي والوجداني.

الصورة اذن وبهذه المعاني سلطة أخرى لا تقل قيمة وحرقة عن سلطة الكلام والبيان واللسان.

هكذا نلج حيزا من عوالم صاحب الصورة ومنتجها ومؤلفها. نعم التأليف بالصورة من مميزات حرفته التي تأخذه الى أمكنة وتفاصيل ليصير أسيرا في شواسعها. هو طفلها الذي هام بها وابتكر لحظته معها بكثير من الود. أحب الصورة فأحبته ومنحته شيئا من أسرارها.

نجيب الشوك الفنان والفوتوغرافي له مسيرة مع الصورة ضمن فن الفوتوغرافيا. برزت أعماله في فنيات الصورة في عدد من المعارض والمجلات والكاتالوغات، وكان معرضه الأخير بالمركب الثقافي بالمنستير دالا على حيوية الفعل التصويري لديه، وكذلك معرضه الخاص بمناسبة مئوية بلدية روسبينا الذي ضم باقة من فعل الصورة في جمال المدينة لتبرز الأمكنة والمعالم والمشاهد والمناظر وفق خبرة فنية وجمالية عهدتها مسيرة الفنان نجيب الشوك.

الصورة عنده مجال قوي لتخير المفردة الجمالية البصرية للقول بالعلاقة بين الموضوع والتعاطي التقني لغاية فيها الكثير من الدلالة حيث سحر الأثر في الصورة بطريقة لا تضاهى.

وهنا تبرز مساحة الجمال التونسي المبثوثة في صور نجيب الشوك من الصحراء الى البحر ومن الواحات الى الجبال والغابات والمعالم والآثار والحوانيت والمهن والحرف والحياة البسيطة واليومي.

في مسيرته الفنية وبهذا الكم من الصور يحاور الفنان الشوك الألوان والخطوط والظلال والتقاسيم على الوجوه والحالات والمشاهد والقديم والجديد والتاريخ بلهفة المشتاق وحرص الفنان ودأب العارف وحلم الأطفال تجاه الكشف والاكتشاف كما نلمس في عدد من “تصاور” نجيب جانبا من التصرف التقني بما يمنح العدسة حيزا آخر من تتمات فنية يريد بها ومنها الفنان الذهاب الى مناطق من الدهشة والسؤال وغرائبية اللحظة وعجائبية الحال.

عدد من الأعمال للفوتوغرافي الفنان نجيب الشوك تبرز العراقة وأصالة الفعل البشري من ذلك حرفة الخزف الموزعة بين نابل وسجنان وسليانة والمكنين كذلك نجد من صوره حانوت صناعة الغربال في أزقة المنستير حيث أحد آخر الحرفيين سي محمد عامر ومرافقه وأحد أصدقائه الحبيب شعبان، فالصورة فيها جمال ومتعة الحرفة الأصيلة والعراقة في المدينة العربية القديمة. حميمية صرنا نفتقدها اليوم مع الأمكنة وهي بيننا تحكي حياتها وتبرز كنوزها. سوسة الساحرة وجوهرة الساحل التونسي الجميل وصورة مميزة لها.

جمال قربص وفتنة اللحظة عند غروب الشمس، ودوز الرائقة والجمال المبثوث في جهاتها ومسيرة الابل ولون الرمال الناصعة.

إن المتابع لمسيرة الفنان نجيب الشوك وعوالم الصورة المنجزة من قبله وتنوع المضامين الجمالية وتوزعها على العناصر والأمكنة والأشياء والخصائص والتفاصيل يلمس دون عناء ابداعية اللحظة مع العدسة والجانب التأليفي لدى الشوك في تعاطيه مع الصورة كحاضنة ذاكرة وهيام وحميمية وعبارة. الصورة فعلا عبارة فادحة أبعد من الكلام.

(ميدل ايست اونلاين)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى