«مركز بومبيدو» الفرنسي يستعيد أفلام السويسري باربيه شرويدر

سليم البيك

خرج قبل أيام إلى الصالات فيلم المخرج السويسري باربيه شرويدر «المهيب w» (أو الموقّر.. ستتضح الترجمة الأنسب إثر مشاهدة الفيلم)، وهو وثائقي يتناول عمليات الإبادة الجماعية التي تعرّض لها المسلمون في ميانمار، على يد قائد بوذي. بُني الوثائقي على مقابلات معه. لكن ليس هذا موضوعنا هنا، بل العروض الاستعادية التي تجري حالياً في مركز بومبيدو للفن الحديث والمعاصر في العاصمة باريس، وهي عروض سينمائية وحلقات نقاشية امتدّت من 21 إبريل/نيسان حتى 11 من هذا الشهر، بالتزامن مع إصدار مجموعة من أفلامه مرمّمة حديثاً، ضمن علبة تقدّم المجموعة تحت عنوان «نظرة إلى العالم»، وتشمل المجموعة، لأول مرة على DVD، «أشرطة تشارلز بوكاوسكي» التي صوّرها المخرج مع الشاعر الأمريكي.
لشرويدر (75 عاماً) سيرة سينمائية طويلة، ممتدة من عمله مع مخرجي «الموجة الجديدة» في فرنسا، حيث أسّس نفسه سينمائياً، حتى اليوم، منتقلاً في أفلامه بين الروائي والوثائقي، طارحاً مسائل جدالية في معظم الأحيان، ومتنقلاً كذلك بين الإنتاجات الهوليوودية الكبرى والأفلام الفنية المستقلة. شرويدر، المولود في طهران لأم ألمانية وأب سويسري، عاش طفولته في كولومبيا قبل الانتقال مع عائلته إلى باريس، ودخوله عوالم السينما فيها. أنجز، شاباً، فيلمه الأول «أكثر» عام 1969، وكان بالإنكليزية، وقد عُرض في مهرجان كان عام 2015 ضمن «كلاسيكيات كان»، وفيه ظهر تأثره الواضح بأساتذة «الموجة الجديدة». وكان صديقاً/تلميذاً لأبرز رموزها كجان لوك غودار وجاك ريفيت وإيريك رومير وآخرين.
في السبعينيات سينتقل للعمل في الولايات المتحدة، والتركيز على الوثائقيات كـ «كوكو، الغوريلا الناطق» عام 1978، حتى سجّل «أشرطة تشارلز بوكاوسكي» بين عامي 1982-1987، وهي عبارة عن تسجيلات متفرقة، ستكون لاحقاً المرجع المصوّر الأشمل عن أحد أفضل شعراء القرن العشرين، وكانت عبارة عن 52 تسجيلاً لبوكاوسكي يتحدّث في مقابلات قصيرة معه، تتراوح الواحدة منها بين الدقيقة والعشر دقائق، في أمكنة وأوقات وأمزجة ومواضيع متعددة وواسعة، شملت طبعاً، الكحول والنساء والعنف وهوليوود والكتابة والتسكّع… يتبع الأشرطة فيلم «بارفلاي» عام 1987، وهو فيلم روائي يعتمد على السيرة الذاتية لبوكاوسكي.
بعدها، تثبّتت المرحلة الأمريكية لشرويدر مع فيلم «انقلاب الحظ» عام 1990، وهو، كالذي قبله، من الأفلام التجارية للمخرج، ما يعطيها أكثر دمغة الأمركة، وقد طالت الدمغةُ عدة أفلام إلى أن نصل لعام 2000 حيث سيتوجّه إلى كولومبيا لتصوير فيلم كولومبي/فرنسي/إسباني هو «سيّدة القتلة».
بعدها، عام 2007، ينجز الوثائقي الفرنسي «محامي الإرهاب» عن المحامي الشهير جاك فيرجيز، الذي رافع مدافعاً عن عديدين من بينهم جميلة بوحيرد وزعيم الخمير الحمر وروجيه غارودي وكارلوس وآخرون، عُرض في مهرجان كان ثم نال جائزة السيزار الفرنسية لأفضل وثائقي.
في الكتيّب الذي أصدره مركز بومبيدو عن التظاهرة، مقابلة قصيرة مع شرويدر وعرض مفصّل لأعماله، حيث تفوق الوثائقيةُ منها، برأينا، الروائيةَ جودةً، يقول: كل فيلم هو مغامرة، ويمكن للمخاطر والعقبات دائماً أن تتضاعف، لكن السينما هي كذلك الاكتشاف: لعالمٍ، لشغفٍ، وأساساً لاكتشافِ الآخر. مؤكّداً على أن لا يكون ذلك «حكماً» على الآخرين. قد يكون هذا القول جوهرياً لأي عمل وثائقي، أما الروائي، فهي مسألة أخرى.
لشرويدر 24 فيلماً كمخرج، لكنه ممثل أيضاً، وقد عرضت «بومبيدو» ضمن التظاهرة أفلاماً شارك فيها كممثل، منها «هجوم المرّيخ» لتيم برتون (1996)، ومثّل كذلك في فيلم جاك ريفيت «دوقة لانجاي» عام 2007، وفي فيلم «دارجيلينغ المحدودة» لويس أندرسون عام 2007، وفي «سيلين وجولي تذهبان للإبحار» لريفيت كذلك، عام 1974، وفي «خبّازة مونسو» لإريك رومير عام 1963، أي حين كان فتياً محبّاً للأفلام، وقبل أن ينجز فيلمه الأول، «أكثر»، بستّ سنين، وكان من بين الأبرز ضمن أفلامه الروائية.
السيرة الفيلمية لشرويدر مثيرة بتنوّعها، إنّما تحوي عدداً لا بأس به من الأفلام الروائية التجارية، ومتوسطة الجودة الهوليوودية، لعلّه أخطأ حين انتقل من فرنسا إلى الولايات المتحدة، وأكمل مسيرةً بدأها في باريس مع فيلمه «أكثر» وطبيعته التجريبية والفنية المتأثرة بـ«الموجة الجديدة» وإن لم يكن الفيلم بمستوى لافت، لكن أمكن اعتباره بداية تتطوّر بعيداً عن استديوهات هوليوود.

(القدس العربي)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى