رحيل الشاعر السوري فرهاد عجمو… مهندس القصيدة الكُردية

آزاد عنز

نعى اتحاد الكتاب الكرد السوريين مساء الخميس الماضي الشاعر فرهاد عجمو، عن عمر ناهز 57 عاماً وذلك بعد صراع طويل مع المرض.
الشاعر عجمو من مواليد مدينة «القامشلي» عام 1960، ومنذ السنوات الأولى وتحديداً في المرحلة الإعداديّة والثانويّة كان يسطر الكلمات الجميلة باحثاً عن جمل موزونة وجميلة تقدّم طبقاً شعرياً، فوجد بداخله كماً كبيراً من الإبداع في الكلمات، وشعر بأن ذلك الفن هو الذي سيسعده ويؤنسه، وهو الذي يبعد الأرق والملل، فسار على هذا النهج وقرر أن يكون الشعر جزءاً من حياته، ورصد دعماً كبيراً من حوله، خاصة ممن يتقنون الشعر ويتذوقونه، وتطور من مرحلة لأخرى وبسرعة متناهية، ليكون في عام 1978 كاتباً للشعر الكُردي ليلقيه على محبيه وجمهوره وبثقة عالية.
وعن أعماله الشعرية خلال جميع تلك السنوات، صدرت له سبعة دواوين شعرية، وتتأرجح القصائد التي دونها بين بساطة الحياة ويومياتها العادية الأليفة، والأسئلة الإنسانيّة الكبرى، كالحب والحياة مثلاً، فالقصيدة مثلاً تبدأ من الهموم الفردية الذاتية، وتتوسع لتعانق الهموم، والقضايا المصيرية الكبرى، فتارة كان يصف لواعـــج روحه إزاء حبيـــبة حسناء؛ غائبة ويغرق في الوجـــدانيات الشفيـفــــة، والرومانســـيات الحالمة، وكثـــيراً ما لفـــتت قصائده المرهفـــة انتـــباه الفنانين، الـــذين لحنوا عدداً من نصوصه الشعرية كأغــان محبـــبة سرعان ما شـــاعـــت، وراجــت على نحو واسع، والكثــــير منهــا تجاوزت حدود الوطن، وقد بادر المترجم العراقي صلاح برواري، عندما عرف قيمة ومكانة شعره إلى ترجمة مختارات من شــــعره، وجمعها في ديوان مستـــقل صدر باللغة العربيــــة تحت عنوان «فصول الحب» عن دار الينابيع في دمشق عام 2008، ومـــن أوائل قصائده تلك التي بعنوان «الأسلاك الشائكة»، ومن جملها: «تصون حدود أوطان العالم.. لكنها صارت صليبا.. ومزقت قلبي أربعة أشطر» .
كان يلوذ بالشعر ورهافته كي يعبر عما يجول في أعماقه من أزمات ومكابدات، وكي يترجم الخيبات وما أكثرها، مزج بين الوطن والحبيبة في منحى شعري جذاب، ومعظم الأحيان غازل وطنه ، وكأنه يغازل حبيبة جميلة، عصية على الحضور؛ حالت الأقدار دون وصال العاشقين، فإن بناء القصيــــــدة لديه ينجز وفق إيقاع سلس، فالمفردات والتعابير المختارة تأتي انعكاساً صادقا لهذه الروح الشعرية المرهفة والأنيقة، التي تختار من قاموس اللغة أكثر العبارات يسراً وسلاسة، وأكثر المفردات بساطة وتأثيراً، ليصوغ منها قصيدة تأتي حيناً كالومضة الخاطفة، إذ لا تتجاوز الجملة الواحدة، وحيناً آخر تأتي متدفقة كجريان نهر عذب.
ها قد غادرت القصيدة الكُردية بصمت، أيّ قصيدة ستحملك على أكتافها يا فرهاد؟ الآدميون لا يحملون الشعراء في وداعهم الأخير، بل قصائدهم هي التي تحملهم على أكتافها، ها قد حطمت ركبة القصيدة يا فرهاد ، قصائد عرجاء ستطاردك غداً .

(القدس العربي)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى