أمير شكسبير وشبح عبد الناصر… من الخطاب الصاخب إلى السخرية السوداء

محمد عبد الرحيم

البطل الذي يبحث دوره كفاعل في التاريخ، سيصبح ضحية له، هذه الرحلة التي دفع حياته ثمناً لها. البطل الرومانتيكي الذي يتصدى لمحاربة الفساد ويموت من أجل قضية العدالة. «هاملت» الشخصية المسرحية الأكثر شهرة في عالم الدراما، والتي تكاد تتفوق على «أوديب» في بعض الأحيان.
ولكن كيف تجسدت هذه الشخصية في المسرح العربي، وكيف تم تأويلها لتصبح معبرة عن الأفكار والسياسات العربية، خاصة أن المنطقة منذ بداية القرن الفائت تمثلت هاملت ليصبح الصوت القوي والواهن والساخر في نهاية المطاف. من يقظة قومية، إلى حركة ادّعت الثورية، ومآل لهزيمة انكسار، وصولاً إلى عالم عبثي أصبح السيد هاملت لا يعرف ما يريده، ولا سبب وجوده في الأساس. من ناحية أخرى نـجـــــد هاملت يتخفى خلف العديد من الأصوات، الليبرالي والقومي والمتأسلم، ينطق حسب هواهم ومن أجل نصرة قضاياهم. ورغم كل ذلك سيظل هاملت هو الشخصية الأكثر تأويلاً في تاريخ الفن المسرحي.
هذه الأفكار يناقشها كتاب «رحلة هاملت العربية.. أمير شكسبير وشبح عبد الناصر»، لمؤلفته مارغريت ليتفين، أستاذة مساعدة الأدب العربي والمقارن في جامعة بوسطن، الصادر عام 2011 عن منشورات جامعة برنستون، الذي ترجمته إلى العربية سها السباعي، والصادر عن المركز القومي للترجمة في القاهرة 2017.

هاملت بالعربية

تشير المؤلفة بداية إلى أن أوائل ترجمات هاملت تعود إلى بدايات القرن الفائت، فقد ترجم النص طانيوس عبده عن الفرنسية؟، وأداه سلامة حجازي، ثم ترجمة لخليل مطران، وكانت أول ترجمة عن الإنكليزية عام 1922 لسامي جريديني. كما جاءت الترجمة لأعمال شكسبير الكاملة تحت إشراف طه حسين ما بين 1955 ـ 1965. وتنوعت دلالات هاملت وفق المراحل والقضايا التي خاضها المجتمع العربي.. المعايير الدولية 1952 ــ 1964، العمق النفسي 1964 ــ 1967، هنا يتم توظيف البطل التراجيدي ليقدم نموذجاً عن المناضل من أجل العدالة. وتشير المؤلفة إلى مسرحيتي «سليمان الحلبي» لألفريد فرج و«مأساة الحلاج» لصلاح عبدالصبور. ثم التحريض السياسي 1970 ــ 1975، وأخيراً السخرية الدرامية 1976 ــ 2002، كما في العديد من الأعمال، منها «هاملت يستيقظ متأخراً» لممدوح عدوان، «إنسوا هاملت» لجواد الأسدي، «فرقة مسرحية وجدت مسرحاً فمسرحت هاملت» لنادر عمران، «رقصة العقارب» لمحمود أبو دومة، «إسماعيل هاملت»، لحكيم مرزوقي، حتى «مؤتمر هاملت» لسليمان البسام.

شبح عبد الناصر

منذ لحظة إعلان عبد الناصر لشعبه «كلكم جمال عبد الناصر»، فقد جسد الزعيم المصري هوية دولته، وأدى دورها في دراما القوة التاريخية الفاعلة، ثم جاءت هزيمته في عام 1967 وموته عام 1970 حنثا بوعد. وترى المؤلفة من ناحية أخرى أن عبد الناصر ورفاقه من الضباط كانوا يتمتعون بحس درامي قوي، وقد ساعدتهم قدرتهم الجيدة على حكي القصص، ومقدار ليس بالقليل من التمثيل الارتجالي الذكي. فجلسات محاكمات الثورة برئاسة جمال سالم، كانت تجري إذاعتها في الراديو على الهواء، وكانت تقدم تسلية هائلة للناس بأسلوب مأساوي. هذا المناخ العام أصبح يمثله بطل درامي سياسي، وأصبح جمال عبد الناصر ممثلاً للجماهير، وساعد على تشكيلهم في وحدة سياسية، فقد عاشوا من خلاله كفاعلين تاريخيين بشكل غير مباشر.
فعبد الناصر لم يكن مناسباً قط، لا في دور هاملت الملحمي، ولا في دور كلاوديوس الغاصب، وكان في إمكانه أن يلعب دور «شبح» والد هاملت، الملهم بالرعب، الذي تمت خيانته، الناجح بمساعدة رجال أقل موهبة، والمستمر في مطاردة مخيلة العرب السياسية.
تشير المؤلفة إلى التقارب ما بين هاملت شكسبير ونموذج الثوري الإسلامي، فمثل سلفيّ شاب يبغض هاملت شرب الخمر، واصفاً إياه بالفعل الخنزيري، ويشجب عدم العفة. هناك شعور بعدم التمكين نابع من اضطراب تاريخي عميق، فرغم السماح له بالقـــراءة والحديث كيفما شاء، فسرعان ما يجري التجسس عليه ويُحرم من القوة السياسية ويتم نفيه، ويكاد يُعدم في مؤامرة ما بين الملكية الفاسدة في الوطن والحلفاء في الخارج.

هاملت يقاطع الدنمارك

لم يغب هاملت عن المعارك الكلامية الدائرة بين العرب أو المسلمين والغرب، وكانت المناسبة هي الرسوم المسيئة لرسول الإسلام، فانتشرت عبارة «شيء يتعفن خارج الدنمارك» وهي مقولة للرد على الهجمة العنيفة التي شنها بعض العرب والمسلمين، وبالمثل وبتحوير بسيط أصبحت العبارة «في دولة الدنمارك فساد وعفن»، وبذلك يصبح هاملت هو الذي يشجع على مقاطعة بضائع ومنتجات بلده/الدنمارك.
هناك العديد من الموضوعات والالتفاتات الطريفة في معالجات هاملت.. حلم غير مؤهل له، وصولاً إلى حالة أقرب إلى العبث السياسي والاجتماعي في العالم العربي.

(القدس العربي)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى