محمد فهيم يبدع في تجسيد تعقيدات شخصية سيد قطب
![](/wp-content/uploads/محمد-فهيم.jpg)
سارة محمد
المشوار الفني لبطل مسلسل “الجماعة 2” محمد فهيم مليء بالعديد من الإطلالات المشرقة التي اختار فيها أدواره بعناية حتى وإن كانت مجرد مشهد واحد، وهو ما حدث في رمضان الماضي من خلال مسلسل “أفراح القبة”، الذي قدم فيه مشهدا دراميا عقب سماعه خبر وفاة الرئيس جمال عبدالناصر ضمن الأحداث، هذا المشهد سيبقى علامة فارقة في مشواره، ولعله كان وراء ترشيحه لتجسيد شخصية سيد قطب هذا العام.
الحيادية، الوصف الذي شدد عليه فهيم وهو يتحدث عن “الجماعة 2”، وقال إنه عمل باجتهاد على دوافع شخصية سيد قطب وتفاصيلها الدقيقة وسوف يترك الحكم للمشاهد.
والمسلسل، كما قال، لا يتعرض لجماعة الإخوان المسلمين لإبراز صورة معينة عنهم، وجميع الأحداث تمت صياغتها بشكل حيادي لا يبرز تعاطفا أو استياء من فصيل بعينه، كما أن السيناريو الذي أعده الكاتب وحيد حامد يستعرض حقبة سياسية كاملة وما شهدته من تكوين مجلس قيادة الثورة وعلاقة جمال عبدالناصر بالرئيس الأسبق محمد نجيب وبالإخوان وغير ذلك.
ويؤكد فهيم لـ”العرب” أنه لم تكن هناك قصدية معينة لتقديم مسلسل “الجماعة 2” في هذه السنة بالذات، “فالجميع يعرفون منذ فترة طويلة أنه سيكون هناك جزء ثانٍ من العمل يتم التحضير له منذ عرض الجزء الأول”.
سيد قطب، تلك الشخصية المثيرة للجدل في القرن العشرين لا يزال ذكرها من المحرمات، و”تابوها” منغلقا على قلة من الأشخاص الذين يحفظون الكثير من الأسرار والحكايات عنه، وهنا يحكي فهيم عن كواليس تحضيره للشخصية، فيقول “كانت لديّ أزمة في التحضير لسيد قطب، خصوصا وأنه لا توجد له أي فيديوهات يتحدث فيها حتى أستطيع الوصول إلى روح الشخصية، ما جعلني أبحث عن فيديوهات للمؤيدين له وأقربهم شقيقه محمد قطب، وكذلك المعارضون”.
ويضيف “بدأت قبل التصوير بفترة كبيرة الاستعداد والتحضير للشخصية، وبحثت كثيرا عن كتبه، وقرأت البعض منها مثل ‘معالم في الطريق’، و’لماذا أعدموني’، وكذلك ديوان سيد قطب الذي يحتوي على أشعاره كاملة، و’أفراح الروح’، وجزء من ‘في ظلال القرآن’، بالإضافة إلى قراءتي عددا من الكتب لبعض الشخصيات التي تتلمذ قطب على أياديها، مثل الكاتب عباس محمود العقاد الذي كان أستاذا له قبل سفره لأميركا، وابن تيمية الذي قرأت قصة حياته كاملة لتأثره به فكريا”.
ومن خلال هذه القراءات والمشاهدات بدأ فهيم في تكوين فكرة كاملة عن سيد قطب، ووصل في النهاية إلى طريقته في الحوار وإيقاع كلماته وتفكيره وروحه وطريقة خطابه، وفي المرحلة الأخيرة قام بقراءة سيناريو وحيد حامد، ثم بدأ في عمل بروفات على كل مشهد مع المخرج شريف البنداري.
ويصنف فهيم “الجماعة 2” في خانة المسلسلات التاريخية التوثيقية، وقال لـ”العرب” إن السيناريو الذي كتبه وحيد حامد واقعي بشكل كبير، خصوصا أنه كتبه وهو مريض، وهو ما فسح له المجال واسعا لتجويد الوصف المكتوب وما تضمنه من جمل تعبيرية معينة، وتحديدا في مشاهد المستشفى التي عولج فيها قطب، والتي كتبت بعناية شديدة إلى الدرجة التي تجعل الجزء الثاني أصعب من الأول على مستوى اللغة والتفاصيل المستخدمة.
وتحدث فهيم عن مشاهد فارقة في دوره، قائلا “الدخول إلى روح سيد قطب مرهق على المستوى النفسي والفكري وأعتقد أن الخروج منها صعب أيضا، والأكثر صعوبة بالنسبة إلي أنني أقدم مرحلتين من أربعينات القرن الماضي وخمسيناته، ما يتطلب فصلا في طريقة الأداء الحركي والشكل وفي نبرة الصوت، وفي بعض الأحيان كنت أمثل الشخصيتين معا، وكنت أقوم بعمل المكياج في ثلاث ساعات. ورغم جميع المراحل الصعبة التي مررت بها، إلاّ أن ‘مشهد الإعدام’ من أصعب اللحظات، حيث وصل فيه قطب إلى أقصى لحظات تأزمه”.
“الالتحام مع الشخصية” شعار رفعه بطل “الجماعة 2” ليكون أكثر مصداقية، وهو ما تسبب في إصابته بحساسية الصدر لم يقم بعلاجها حتى يستطيع تقطيع أنفاسه وطبقة الصوت وشكل “الكُحّة” لتخرج بشكل تلقائي، وخلال تصوير أحد المشاهد بالمستشفى عندما أصيب قطب بنوبة سعال شديدة، ونظرا لتفاعل فهيم مع المشهد وخروج الدم من فمه تسبب ذلك في إصابته بتجمع دموي في عينيه ما ألزمه الراحة التامة لفترة معينة.
و”هل تعرّض سيد قطب للظلم أم استحق مصيره؟”، تساؤل ينشغل به الكثيرون كلما ورد ذكر الرجل، وهو ما أجاب عنه بطل المسلسل، فشدد على كونه لا يستطيع الإفصاح عن رأيه في الوقت الحالي حتى لا يتأثر المشاهد برأيه، لكن ما يؤكد عليه مرة ثانية أنهم لا يبحثون في العمل عن صورة سيد قطب، سواء كان ملاكا أو شيطانا، بل يرصدون تفاصيل عن علاقته بعائلته وشقيقاته ورجال الحكم والإخوان، وفي النهاية الحكم يبقى متروكا للجمهور.
والتحول من مرحلة الإبداع إلى التطرف الفكري واحدة من أهم الأزمات التي تواجه أصحاب الفكر في بعض الأحيان، كما حدث مع سيد قطب، إذ تحول من رجل تنويري إلى آخر ينادي بأفكار ظلامية، ويعلق فهيم على تلك القضية قائلا “إن التطرّف لا يمكن أن يكون بسبب الثقافة، وإنما يتعلق بعدم قدرة الإنسان على تحقيق ذاته أو أن يقوم بعمل أشياء مفروضة عليه، وهنا يتشتت تفكيره”.
ويؤكد الممثل المصري أن شخصية سيد قطب بها الكثير من التفاصيل الإنسانية والصراعات التي تغري أي ممثل بتقديمها نظرا للثراء الكبير الذي تتمتع به، بالإضافة إلى أهميته في العالم، حيث أن كتبه مترجمة في العديد من الدول الأجنبية، ويقول “لم أكن خائفا من هذا العمل، بل اجتهدت كثيرا لأضيف إلى الشخصية”.
وتحدث الفنان عن علاقته بصناع العمل، فأكد أن المخرج شريف البنداري رجل ذكي ولديه وعي كبير بالممثل ويعرف كيف يجعله في أفضل حالاته التمثيلية، ويقول “في مشاهد كثيرة كنت أشعر بالرضى عن أدائي، لكن كان المخرج يعود ويهمس لي بإضافة تفصيلة معينة فتخرج بشكل أفضل بكثير، والحقيقة أنه من أكثر الأشخاص الذين دعموني، لأنه كان يعرف تجربتي المسرحية سابقا”.
ولا تتوقف الطموحات لدى بطل “الجماعة 2”، فقبل أن ينتهي من تجسيده لشخصية سيد قطب، يخطط محمد فهيم لتقديم شخصية الأديب العالمي نجيب محفوظ على الشاشة.
(العرب)