‘القناع’ القناعتستلهم الماضي ليكون الحاضر

طاهر علوان

يقدم فيلم “القناع” للمخرج برنت رايان غرين الذي عرض مؤخرا بالقاعات العالمية إشكالية تتعلق بثيمة أساسية ستسود وستتحول إلى نوع من القوة المحرّكة لدراما مشوّقة، ألا وهي ثيمة الصراع التي تشكل دعامة هامة في السرد وفي تقديم قصص الخيال العلمي بشكل خاص، لا سيما أن تلك القصص تبحر في أزمنة غير معلومة ولا معيشة سواء أكانت ماضوية أم مستقبلية، وفي الغالب تكون مستقبلية، ولكن في كل الحالات تبقى قوة الصراع هي القوة الأساسية المحرّكة للدراما المتشعبة والمتصاعدة.

ويشكل الصراع في فيلم “القناع” عنصرا أساسيا في رسم مسار الأحداث والشخصيات وفي البناء السردي، حيث تدور القصة في زمن مجهول وغير محدد.

وتعويم الزمن في الفيلم بدا، ربما، مقصودا لغرض أن تمضي الأحداث إلى نهاياتها، فتظهر الشخصيات وقد عادت إلى عصور الغزو والصراعات القبلية والصراعات بين الجماعات التي تستوطن الغابات وتتماهى مع الطبيعة، والغلبة سوف تكون غالبا للأقوى وأحيانا للأكثر عددا، وهو المحور الذي تتحرك بموجبه الأحداث.

المحارب الشرس والشجاع الذي لا يهدأ (الممثل ويليام ليفي)، هو الشخصية الرئيسية التي تخوض صراعا لا ينتهي مع خصوم شتى، مع أنه هو أيضا ضحية الصراع، ها هو يشهد وصايا والده وهو طفل في مشاهد استرجاع متكررة في مقابل مشهد واحد مؤثر، هو مشهد اغتيال والده ذبحا.

ومن هناك نفهم أننا أمام شخصية محمّلة بإرث الماضي القاسي، حيث لم تبق أرض ولا قبيلة ولا أب، ولهذا سوف يجد ذلك المحارب الشرس أن الصراع الذي لا ينتهي هو البديل الذي سيحقق له التوازن والرضا النفسي.

تقع أحداث الفيلم في وسط منطقة غابات، لكن البحر ليس بعيدا، وهنا أجاد المخرج صنع مناظر جذّابة وشاعرية، وبرزت مهارة ملفتة للنظر في اختيار الزوايا وأماكن التصوير وفي تصحيح الألوان أيضا مما أضفى على المكان جمالا إضافيا.

يقود المحارب الشرس صراع قبيلة أو جماعة غبرت أمجادها وسلّم زعيمها أمر قيادتها لابنته زيرا (الممثلة سيريندا سوان)، وهنا يقع خلاف بينها وبين شقيقها يفضي إلى إسناد زيرا الأمر كله إلى المحارب الشرس الذي تجد فيه الكفاءة لإنقاذ من تبقى من القبيلة، لا سيما النساء والأطفال، وهو ما يدفع شقيق زيرا (الممثل ويليام موسلي) إلى هجر القبيلة ليرحل إلى مكان آخر مستعينا بمساعدين آخرين، لكنّ مهمتهم سوف تفشل أيضا.

في ما يخص البناء الزمني من الملاحظ تعويم عنصر الزمن، رغم أن الأحداث من الممكن أن نفترض أنها تقع في القرون الوسطى، حيث العادات القبلية المدافعة عن حياة الفريق هي الشغل الشاغل، وبموازاة ذلك هنالك عادات وطقوس بعضها يشبه عادات الهنود الحمر، لكنه لا ينتمي إليهم كليّا، فضلا عن استخدام خطوط ورسومات وتعاويذ غريبة كأنها من إنتاج تلك الجماعة المعزولة عن العالم الخارجي.

أما على صعيد البناء السردي، فقد كانت مشاهد الاسترجاع هي التي تحرّك المحارب وتثير شجنه لكي يفرض نفسه في أتون الصراعات التي لا تنتهي بين القبائل، وكأنه إسقاط على الأزمنة الحديثة، حيث الإصرار على فرض الإرادة والأمر الواقع ومنطق القوة هو السائد، وإلا لا تكاد تجد تفسيرا منطقيا لكل تلك القسوة والبطش والميل إلى الانتقام، في حين أن الأمر يستقيم مع المحارب الشجاع، إذ هناك أسباب كثيرة لهذا الصراع منها إعادة هيبة وتاريخ الجماعة التي كان ينتمي إليها.

وفي وسط تشابك خطوط الصراع وذلك النوع الغريب من الملابس والعودة إلى استخدام السيوف تنشأ صلة غريبة بين المحارب الشجاع وبين زيرا وريثة التاج، فهي وإن قلبت الدراما وغيّرت الموازين بتسليم أمور القبيلة المعزولة إلى ذلك المحارب، فإن أحداث الفيلم لم تفصح بشكل واضح عن أسباب ودوافع تلك العلاقة عدا كونها مصلحية في تخليص القبيلة من الجلادين والخصوم، ثم تاليا تضحيتها بنفسها وإعلان استعدادها لقبول العبودية لدى جماعة شرسة أخرى في مقابل إطلاق المحارب الذي وقع في الأسر ولم تشفع له عضلاته المفتولة، إذ سلط عليه من هم أشرس منه.

حاول المخرج برنت رايان غرين إضفاء بعد إنساني واجتماعي على فيلمه للتخفيف من حدة العنف والصراعات المتواصلة من خلال تقديم الأحداث، التي تجري في وسط عائلات وأطفال ممن سوف يتعرضون لاحقا إلى حملة إبادة شنيعة يخرج منها المحارب سالما، فيما يباد الآخرون دون رحمة.

وفي المقابل ينشأ صراع مضاد من خلال شقيق زيرا الذي يقرر أن يتخذ لنفسه مسارا آخر مختلفا، ربما بدافع مشاعر الغيرة تجاه المحارب الشجاع، لكن في كل الأحوال كان ذلك تحوّلا في الحبكة والبناء السردي من خلال تعدد بؤر الصراع والعنف، وبالتالي تعدد مراكز القوى التي تتحكم في مصائر الشخصيات وهي تتوق إلى خلاصها.

(العرب)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى