التشكيلي السوري وغياب الفن الفطري… أين الخلل؟

سلافة الماغوط

عندما يختزل الفنان المشهد أو اللحظة إلى مجرد خطوط متشابكة، تتكثف في بقعة وتتلاشى في أخرى على مساحة اللوحة؟ عندما تتجمهر الكتل وتتباعد أو تفقد كثافتها على سطح اللوحة؟ من أي زاوية عليه أن يلتقط المشهد، وفي أي لحظة، وأي ألوان عليه أن يختار، وماذا يضيف وماذا عليه أن يهمل لضرورة الرسم؟ هذا كله تابع وخاضع لقوة المشهد ولحُسن اختيار الفنان. والسؤال.. لماذا لم يصل التشكيل السوري إلى العالمية التي يستحقها في هذا المجال، حيث نوعية المادة التي قدمها ومازال إن لم تبلغ القمة فهي على سفح الجبل؟

التشكيلي السوري

صحيح لم يصل التشكيلي السوري إلى الثورة على مفاهيم اللغة التشكيلية، وهو يتبع آثار أقدام رواد الفن التشكيلي المعاصر، والثورات الفكرية التي حركت تيارات وجددت، بل حررت المعتقدات في أوروبا القرن الماضي. إلا أن تلك التأثيرات وصلت له وآمن بها، وسعى لدراستها وفهمها وتدريسها، ومنها بدأ رحلته في الاكتشاف على نطاق أضيق، مما يفترض للفن العظيم أن يحقق رسالته، لكنه وصل إلى حلول وأجوبة تنسجم مع المفردات التشكيلية المعهودة. من تشكيل الفراغ ولعبة الظل والنور والتلاعب بنسب مقاييس الجسد.
بيد أن التشكيلي السوري يحصر نفسه بالتجربة الشخصية، ولا يفكر أن يكون رائد تيار جديد، إلا على الصعيد المحلي الضيق، وهنا تكمن المشكلة، فإذا أبدع وفاق إبداعه حد التوقع، يكون ذلك بالمصادفة. لدرجة أنك تعتقد أنه لا يستحق قيمة ما توصل له، سبب الإهمال منه هذا إما لأن الفنان لا يشعر بأهمية ما أنتج، أو أنه متواضع جداً، أو على غير دراية بالحركة التشكيلية العالمية، ولم يعرف بعد موقعه على خريطتها.

نقد المجاملات

ويلاحظ أن مهنة النقد التشكيلي غائبة كليا، وكل ما هو موجود حاليا في سوريا على الأقل لا يتعدى مقالات للتغطية الصحافية من قبل صحافيين غير مختصين بالفن التشكيلي، إنما يغطون الأنشطة الثقافية بالمجمل، ويكتبون انطباعاتهم وانطباعات الحضور ويقيمون الأعمال حسب شهرة الفنان وطول سيرته الذاتية، وفي ما إذا سافر ودرس في الخارج وتمكن من إقامة معارض دولية، وشارك أسماء كبيرة وكتب له مقدمة معرضه فنان ذو شهرة في عالم الفن، بمعنى أو بآخر علاقات عامة.

الإرث الشعبي/الفطري

الشيء المهم هو إغفال التشكيلي السوري أهم أشكال الفنون .. وهو الفن الشعبي، هذا ما استثمره العديد من البلدان، كالمغرب والعراق على سبيل المثال لا الحصر. ليصبح الفن العفوي في مسيرتهم الفنية نقطة تحول امتزجت فيها فلسفة وفكر الغرب بعفوية وبساطة الإنسان البدائي، لتنتج أهم الأعمال الفنية. هذا الاندماج بين الحضارات لم يتأصل في سوريا التي لن نقول إن شعبها يفتقر له، بل فاتته كل تلك الشفافية والحساسية البدائية، فلا هي موجودة عنده بالتوارث، ولم يكتسبها وحتى لم يكتشفها، رغم بعض سلبيات الفن الفطري، وأهمها الابتعاد عن التعبيرية التي فيها يكون الرسام مثل الرسول، أو حلقة الوصل بين الموضوع والمتفرج. فعندما يلفت نظره مشهد ما ويقرر أن يرسمه ليفرغ حالة من الدهشة على الورق أو القماش، هو يفعل ذلك وهو يخطط أن يسجلها بروحها وتأثير روحها عليه، وما يولد ذلك من انفعالات يريد أن يشاركه بها كل من يراها.
في الفن العفوي، يستبد النمط الواحد الذي يوحد كل المواضيع على حساب الإحساس بخصوصية كل موضوع، مع الحرص على نقل أجمل ما فيها، أي روحها، فعناصر الموضوع ليست مجرد موجودات مادية مزخرفة بألوان نضرة و طازجة، والواحد منها يطغى على الآخر، كأن اللوحة سجادة يدوية.
وخلاصة القول نجد الفنان التشكيلي السوري لم ينتبه إلى ذلك، في حين أنه جلس في صومعته (مرسمه) يبحث عن أسلوبه الذي استمده من مدارس الغرب الكلاسيكية والمدارس التي جاءت من بعدها، معتبرا إياها مرجعه الوحيد للإجابة على أسئلته التشكيلية، عندما يتعثر عليه إيجاد الحلول والأجوبة، أيا كانت تلك المدارس الغربية بالنسبة له مثل البوصلة كلما ضل طريقه.

(القدس العربي)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى