صبحي الشاروني يرصد ضآلة الواقع أمام خيالهم
![](/wp-content/uploads/صبحي-الشاروني.jpg)
محمد عبد الرحيم
خاض الفن الغربي تجربته التشكيلية، أو مخاطرته بالمعنى الأدق، محاولاً تثوير كل ما ينتمي إلى الواقع المُعاش، والخروج عليه وتفتيته، كذلك نفيه من مخيلة المتلقي، ليصبح الخيال الفني هو أساس الرؤية، بالاستناد إلى فلسفات عدة اجتاحت أوروبا وأثرت في إنتاجها الفني والفكري.
ويبدو أن القرن العشرين هو زمن الثورة الفنية التي اجتاحت الغرب، وأنتجت فناً يبتعد عن الكلاسيكية ومدارسها، وبالتبعية نزع القداسة عن الرصانة الفنية التي انتهجتها وسنتها عصور النهضة. ومن خلال العديد من التجارب الفنية ينتقي كتاب «من نجوم الفن الغربي في القرن العشرين.. ألبرتو جياكوميتي، أندرو وايث، وجوزيف بويز» لمؤلفه صبحي الشاروني تجارب ثلاثة من الفنانين أصحاب التجارب المتميزة والمختلفة عن تجارب أخرى كثيرة، تأرجحت ما بين التجريب والسقوط في فخ التقليدية، بمعنى عدم الثقة واليقين في رؤية فردية تخالف ما اعتاد عليه المتلقي، أو ما اعتادت تقديمه تجارب منسوخة من أعمال أقدم، تدّعي الثورية والتجريب. صدر الكتاب عن المجلس الأعلى للثقافة في القاهرة.
جياكوميتي .. من السريالية إلى التجريد
يعد ألبرتو جياكوميتي (1901 ــ 1966) من أهم مثالي القرن الفائت، ورغم بداية جياكوميتي مع سيريالي فرنسا، ومحاولاته استخدام الأشكال المجسمة في الإيحاء بالموضوعات والكيانات الخرافية، إلا أنه ترك الحركة السريالية ونزع إلى التجريد والشكل المطلق، لكنه لم يكن التجريد المعهود، بل وقع ما بين التشخيص والتجريد، وهو ما جعل فنه يتميز باستخدام غير الواقعي في التعبير عن حقيقة الأشياء، ومن هذا التناقض جاءت أعماله المختلفة، التي جعلت من تجربته الفنية تجربة خاصة ومؤثرة في الفن عموماً. ومن هنا جاء الاهتمام بالشكل التصويري، مع التخلي عن النظرة الواقعية للشيء أو الشكل، إضافة إلى أن يصبح الفراغ جزءا لا يتجزأ من العمل الفني. مخلوقات جياكوميتي تتميز بالهشاشة البالغة كما في أعمال الرجال الثلاثة، رجل يسير، والكلب، إضافة إلى حجم هذه الأعمال، التي تبدو في غاية الصغر، رغم موضوعها والحركة التي يحافظ عليها دوماً، الأمر هنا يقترب من التعبيرية، ليست التعبيرية بمعناها القديم، ولكن باعتماد رؤية الفنان وفلسفته، وتجربته الطويلة في البحث والتجريب.
يقول جياكوميتي: «إن الشكل الكبير يبدو لي غير حقيقي وزائفا». هكذا كانت رؤيته للإنسان، وكأنها تماثيل آلهة قديمة.
أندرو وايث .. الواقعية الفوتوغرافية
الواقعية الفوتوغرافية هو اتجاه انتشر خلال القرن العشرين بين فناني الولايات المتحدة، ولعل أشهرهم هو أندرو وايث (1917 ــ 2009) الذي أعاد الاهتمام إلى هذا الشكل الفني في التعبير، إلا أن أهم ما يميز أعمال وايث هو المزج ما بين الواقعية والتجريدية، وهو ما أعطى لأعماله ملمحاً خاصاً اختلف عن جميع الفنانين الذين انتهجوا هذا الأسلوب. فالمنظر الذي يصــوره أو الشخصبات التي يحرص على وجودها، لم تعد كما كانت في الحياة، وابتعدت عن تسجيلية الفوتوغرافيا، هناك نغمة تعبيرية في كل لوحة، تظهر وجهة نظر الفنان في المنظر الطبيعي الذي يصوره، أو وجوه الشخوص، حيث يبرز السمات النفسية لكل شخصية من الشخصيات التي يجسدها.
ومن سمات أعماله الحِس المأساوي، الذي لا يفلت منه العمل، فهناك دوماً إحساس بالخطر ووقوع وشيك لمأساة. حدة التجسيد تعمل على الإيحاء بذلك، كما في استخدامه ألوان (التمبرا)، التي تبرز ملمس عناصر موضوع اللوحة كحصى وحشائش الغابات التي برع في تصويرها.
جوزيف بويز.. فن الأوبجكت
من مفردات وأدوات الحياة اليومية التي نستخدمها، هذه الأشياء التي لا توحي بأي أهمية تذكر، ومن خلال ابتكار مجسمات تتألف من هذه الأشياء، يصبح النحات الألماني جوزيف بويز (1924 ــ 1986)، الذي حاول أن يصل بالفن إلى درجة كبيرة من الثورية، سواء على مستوى الشكل أو المضمون، الذي يصل حد السخرية من التقاليد الفنية التي تتسم بصفة العظمة أو العراقة. فقد كان بويز يقدم في معارضه أشياء ليست ذات دلالة في ذاتها، أشياء تافهة أو قديمة، تنتج دلالتها من تكويناتها وطبيعة العمل الفني. واشتهر بويز بفلسفته ومواقفه ضد الحرب وصناعة السلاح والقنبلة الذرية.
(القدس العربي)