كتب لبول أوستر بالعربية
ثلاثة كتب للروائي الأميركي بول أوستر صدرت في ترجمة عربية انجزها الشاعر والمترجم والكاتب الفلسطيني سامر أبو هواش، عن منشورات المتوسط – إيطاليا، وهي: «رحلات في حجرة الكتابة»، «صانست بارك»، و «اختراع العزلة ، بورتريه لرجل غير مرئي، كتاب الذاكرة».
في رواية «صانست بارك»، وهو اسم حي حقيقي في بروكلين في ولاية نيويورك، إشارة محورية إلى ما يريد بول أوستر قوله في هذه الرواية. ويضم هذا الحي عالمين متناقضين كل التناقض ظاهراً على الأقل، مقبرة غرينوود التي يرسمها الكاتب كمدينة موازية، تضم عبر مساحات شاسعة من الأرض آلافاً من الذين عاشوا أو ماتوا في المدينة، وبعضهم نجوم سياسة وأدب وعلم وفن، وفي الوقت ذاته تضم ذلك البيت المتهالك الذي يؤوي مجموعة من الشباب الرافض بمعظمه ما آلت إليه الأمور في الولايات المتحدة والباحث عن هويّته الفردية والجماعية في خضمّ التحولات التي تشهدها البلاد، ولاسيما الأزمة الاقتصادية الخانقة التي ألقت بظلالها الثقيلة بدءاً من العام الذي تبدأ فيه أحداث الرواية، أي العام 2008.
وفي «رحلات في حجرة الكتابة» يحتفي أوستر برفق بقوة الخيال، ويُعجب بطبيعة العقل المَتَاهيّة، في إجلال فلسفي بارع وماكر للقصص المتفوقة. ومن أجواء الكتاب: «أنا إنسان، ولستُ ملاكاً، وإذا كان الأسى الذي استولى عليّ قد شوش رؤيتي، وأدى إلى بعض السقطات، فإن هذا لا يجدر به أن يُلقي أي شك على صدق حكايتي. قبل أن يحاول أحد أن يجردني من الصدقية من خلال الإشارة إلى تلك العلامات السود في سجلي، فإنني سوف أعترف بذنبي، وبكل انفتاح للعالم. هذه أزمنة خؤونة، وأعرف مدى سهولة تشويه الحقائق بكلمة واحدة، تهمس للأذن الخطأ. أطعن في شخصية رجل، وكل شيء يفعله هذا الرجل يبدو خفياً، مشكوكاً به، مزيفاً، وله دوافع مزدوجة. في حالتي، فإن العيوب المطروحة نبعتْ من الألم، لا الحقد، من الارتباك، لا المكر».
أما كتاب «اختراع العزلة، بورتريه لرجل غير مرئي، كتاب الذاكرة»،» فيروي أوستر في الأول ما يشبه سيرة لوالده تتقاطع فيها اجزاء من سيرته الشخصية ويضيء اسرار العلاقة التي جمعته بأبيه. ويقول اوستر: «لم أشعر أنني في (اختراع العزلة) أروي سيرة حياتي، بمقدار ما أستعمل ذاتي لكي أستكشف أسئلة تهمنا جميعاً كبشر».
وعلى الغلاف ترجمة لشهادة الكاتب والفيلسوف الفرنسي باسكال بروكنر عن أوستر: «وجهة نظر بول أوستر الروائية تختلف عن غيره من الروائيين في أنه يعترف بانتمائه إلى عائلة، وتقليد، وثقافة، لكنه يدرك أيضاً أن هذه الصلات تنزي على إشكالية كبيرة، وكما يقول رينيه شار إنه إرث الغموض، في غياب الوصية، وبما أنه ليس من معنى يحتل الصدارة، فإن الذات، بعنة الحداثة نفسها، شأنها شأن العزلة والتقليد، تجب إعادة اختراعها وإعادة خلقها بالمعنى الحرفي للكلمة».
ومن أجواء الكتاب: «كان أبي، وهو رجل شديد التفاني تجاه عاداته، يغادر البيت إلى العمل في الصباح الباكر، ويكدّ في العمل طوال اليوم، وحين يعود إلى البيت في ذلك الوقت، لم يكن يعمل حتّى وقت متأخر، يأخذ قيلولة صغيرة قبل العشاء. وذات مرّة، خلال الأسبوع الأول لنا في البيت الجديد، قبل أن نُكمل انتقالنا، ارتكب هفوة لافتة: بدلاً من أن يقود سيّارته إلى البيت الجديد بعد العمل، اتّجه مباشرة إلى بيته القديم، على نحو ما كان يفعل لسنوات، وركن سيارته على الطريق الخاصّة أمام البيت، ودلف من الباب الخلفي، وصعد الدرج إلى الطابق الأول، ودخل غرفة النوم، واضطجع على السرير ونام. أغفى زهاء ساعة. ولا حاجة إلى القول إنه حين عادت سيّدة البيت الجديدة، ووجدت رجلاً غريباً نائماً في سريرها، بُوغتت بعض الشيء. إلا أنه على عكس ذات الخُصَل الشُّقر، لم يقفز أبي من السرير، ويسارع إلى الفرار. وسرعان ما تبدّد الارتباك، وضحك الاثنان من كل قلبيهما من الأمر».
(الحياة)