الهويات الفرعية والوعي الثقافي في ندوة أردنية

ناقش المفكر اللبناني رضوان السيد متغيرات الهويات الفرعية وانعكاساتها على تطور وتماسك المجتمع العربي، مشيرا في محاضرة حملت عنوان “الهويات الفرعية: تهديدٌ أم شراكة؟” في منتدى عبدالحميد شومان مؤخرا، إلى أن البعض من هذه الهويات يمكن أن تؤدي بقطاعات من الأفراد والجماعات إلى الشعور بالحاجة إلى حماية تقوم على مصالح تتنافى مع قيم الانتماء إلى الوطن.

وقال السيّد، في المحاضرة التي قدمه فيها وأدارها الأكاديمي محمد السعودي، “إن الهويات الفرعية ما زالت تشكل مادة دسمة للجدل في مجتمعات كثيرة، خصوصا في منطقتنا العربية التي تعبّر فيها تلك الهويات عن نفسها بطرق شتى، حيث تحاول بعض الهويات، التي تعتبر نفسها أكثرية، التمدد والجدل بأحقيتها في الوجود وطمس ما سواها، في محاولة لإلغاء غيرها من الهويات الفرعية التي تحاول التعبير عن نفسها ضمن أنساق اجتماعية أو ثقافية”.

وأوضح المحاضر أنه في مقابل ذلك تشعر الهويات (الصغيرة) بالتهديد، وتحاول التقوقع على نفسها، والتخندق في مواجهة ما تراه استهدافا لوجودها، ما يجعلها غير قادرة على الانخراط في أي مسار لتشكيل هوية جامعة، وهي بذلك تعبر عن أزمة حقيقية تعيش فيها الكثير من المجتمعات، خصوصا تلك التي لم يتبلور فيها مفهوم للمواطنة يقوم على أساس النظرة العادلة للمكونات المجتمعية جميعها، أو التي ما زالت تحتكم إلى مفاهيم مغايرة عن الانتماء.

وأشار المفكر اللبناني، الحاصل على شهادة الدكتوراه في الفلسفة من جامعة توبنغن بألمانيا، إلى استغلال الهويات الفرعية واللعب على الخوف من الآخر وتغذية النزعات الانفصالية لدى بعضها، على نحو ساهم في إنهاك بلدان عربية خلال الأعوام الماضية، وإغراقها بالعنف والفوضى، وتهديدها بالتقسيم، غير أن ذلك لم يكن ليتحقق في بلدان تتعايش في ظل مجتمع العدالة والمساواة وسيادة القانون.

وبيّن السيّد في المحاضرة أن تصاعد الوعي وتنامي سياسات الهوية لدى الأقليات الدينية والمذهبية والإثنية والجهوية، أديا إلى تهديد كيانات عربية بالانفصال والخراب ولجوء البعض إلى طلب حماية أجنبية، لافتا إلى أنّ هناك أولويتين لتحقيق الأمن والاطمئنان على نحو سياسي وإنساني وتنموي، الأولى هي استعادة السكينة في الدين باعتبارِهِ رأسَ ثوابت الانتماء عندنا، والأولوية الأُخرى هي استنقاذ واستعادة الدولة الوطنية العربية، لأن ذلك هو المدخلُ لاستعادة السكينة في المجتمع.

ولفت إلى إنّ تصرفات وممارسات بعض السلطات الوطنية خلال أكثر من خمسة عقودٍ، فجّرت الاضطراب الذي ما زالت المنطقة تعاني منه، كما أن الأخذ بالوعي الثقافي والشعبي ووضع الانتماء الوطني إلى جانب الانتماء الديني يبعثان على الأمل، فالناسُ ما زالوا حريصين على منظومة الدولة، لكنهم يريدونها دولةً حاميةً ودولةَ مشاركة، ولها علاقةٌ وثيقةٌ بأناسها الذين يحمونها ويحتمون بها، ويستطيعون أن يحاسبوا ويُراقبوا ويغيّروا ما فيها؛ دون خشية من قمع أو سجن أو قتل أو تهجير، في جو من التعددية والمواطنة المتساوية والندية.

وأضاف “إن كثيرا من المجتمعات ظلت تخاف من الدولة، وصارت تخاف عليها. والخوف الثاني خوفٌ صحيٌ الآن. لكن ينبغي الخروج منه أيضاً في المدى المنظور ببناء دولة ثقافتها المواطنة والعيش المشترك”.

(العرب)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى