«أباي» عميد الشعر الكازاخي مترجماً إلى العربية

هند عبد الحليم محفوظ

يعد الشاعر أباي (1845- 1904) عميد الشعر الكازاخي الحديث، وهو كذلك شخصية تاريخية مؤثرة في حركة الأدب والاستنارة والديموقراطية. خصص شطراً كبيراً من أشعاره لإعادة النظر جذرياً في أسس الأخلاق الاجتماعية المبنية آنذاك على تقاليد وعادات الماضي. ولد إبراهيم قونانباي (أباي) عام 1845، في جبال جنكيز، لعائلة معروفة في كازاخستان الشرقية، والده أحد الإقطاعيين وشيخ قبيلة طوبقطي. أما الوالدة «أولغان» فقد أثرت في حياة الطفل، وكانت تطلق عليه اسم «أباي» تحبُّباً وهو تصغير لإبراهيم، وتعني الكلمة «المتمعّن الحذر» أيضاً، وهذا الاسم صاحَبَه طوال حياته. قرأ أباي مؤلفات بوشكين وليرمنتوف وتولستوي وغوته، وترجم أعمالهم إلى اللغة الكازاخية بأسلوب يفهمه الناس.
كتب أباي أعماله باللغة الكازاخية القديمة السائدة في ذلك الوقت، ذات الحروف العربية، وترجمت أعماله إلى معظم لغات العالم وبخاصة كتاب «الأقوال» الذي يعد من عيون الأدب العالمي، ويدور حول تأملاته الفكرية والفلسفية عن مغزى الحياة ورسالة الإنسان وعن الشعب المعذَّب.
المركز القومي المصري للترجمة، أصدر أخيراً، ضمن سلسة «ميراث الترجمة» طبعة جديدة مِن مختارات شعرية، لأباي نقلها إلى العربية الشاعر السوداني الراحل جيلي عبدالرحمن، وصدرت طبعتها الأولى عن دار «التقدم» في موسكو عام 1970. وكان أباي يؤمن بالتأثير الثقافي والروحاني المتبادل بين الشعوب المختلفة، معتبراً أن الناس جميعاً إخوة.
وهو كان كذلك يرى أنه من الأهمية بمكان للكازاخ – باعتبارهم أهل الصحراء والرحالة – أن ينفتحوا على الحضارات الإنسانية والشعوب المتقدمة وثقافاتهم المتنوعة من أجل الارتقاء بحياتهم وتحسين معيشتهم، على أن يوثقوا في الوقت ذاته الارتباط بالوطن، إذ يقول: «لتنتفضي أيتها الروح/ ولتستيقظي/ لا تقبعي خاملة في عُش الراحة/ مثل الطائر المهيض الجناح/ لا تستكيني وحلِّقي في الآفاق/ وانقضي كالصقر في أعالي السماء». إن أدب أباي يُعد أحد مصادر الثقافة الكازاخية، إذ يمكننا من خلاله التعرف على جوانب حياة الكازاخ كافة، ونستمتع بثقافتهم الراقية بما فيها من عاداته وتقاليده. وكان أباي متعاطفاً مع الفقراء والمهمشين، ويفكر دائماً في أسباب معاناتهم، ويبحث في الوسائل التي يمكن أن تساهم في إيجاد حلول لمشاكلهم فيتجه إليهم ناصحاً: «إيه أيها الكازاخ/ يا شعبي البائس/ شواربك الكثَّةُ تحجب الأفواه/ الدَّمُ في خديك الأيسر والأيمنُ/ متخمٌ بالشَّحم/
فكيف الطريق إلى الحق/ كيف آمل في صحوتك يا شعبي؟/ إن لم تمتلك مصيرك للأبد».
ويلاحظ حضور المرأة الكازاخية في شعر أباي، وقد نفذ سحرها إلى قلبه، والتهبت فيه عواطف الغرام، وعلى رغم سعيه إلى المجد والمكانة بين بني قومه، لكنه أصغى إلى الحب، واستجاب لصوت العاطفة، إذ يقول: «فمُك الأنيق يعبق كالورد/ وتتهدَّل خصيلاتك السَّكرى/ وعلى الصَّدر تُفاح النَّهدين/ عيناي الغائرتان جفَّتا من الدموع/ هل ترين فيهما غير الشَّوق والسهاد؟/ فليس لك مثيلٌ/ في هذا العالم الصَّخَّاب».
كما كان أباي حريصاً على أن يكون في موقع القدوة بالنسبة إلى الشباب، فيقول: «لتتأمل في أعماقي المتأججة/ فأنا وطريقي غريبان عليك/ لقد خضتُ المعارك الضارية/ لأنير الدرب لكم». كما تناول دور الغناء في تهذيب النفس باعتبار أنه امتداد لرغبة الإنسان الطبيعية في التعبير عن ذاته، فيتعطش لسماعها مثل تلهف المسافر في الصحراء لنبع الماء المتدفق. يقول: «الأغاني تهدهد النفس/ وتحنو على البدن المُعَنى/ تغمر الفكر بالحيوية/ لو أحببتها مثلي/ حينما أرهف السمع للأغاني/ أستمد من دفئها قوة/ أنسى الكائنات من حولي/ وأخرج من هوة ذاتي/ مثل مسافر في صحراء/ متعطش للنبع». كان أباي مولعاً بالثقافة الشرقية، واطلع على أصول الملاحم العربية والفارسية كافة، كما درس مؤلفات أدباء وشعراء الشرق العظام: الفردوسي ونظامي وسعدي، والشيرازي ونافوي وفضولي، وكان في تلك الفترة يقلد هؤلاء الشعراء، حيث استحدث «العروض» في الشعر الكازاخي ونقل إليه الكثير من المفردات العربية والفارسية. وتداول الكازاخ، في ذلك الوقت، الملاحم الشرقية الكبيرة بألفاظ أباي مثل: الشاهنامة، ومجنون ليلى، وكير أوغلي. إلى جانب ذلك كان أباي يتمتع بموهبة التلحين، فلحَّن بعض الأغنيات القائمة على أشعار غير تقليدية في زمنها. وفي كازاخستان توجد جامعة تحمل اسمه، وله تماثيل في موسكو وعدد من مدن الكازاخية، وفي عام 1955 أنتج فيلم عن حياته، حمل اسم «أباي».

(الحياة)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى