رجاء النقاش يُبرز شعرية يحيى حقي

ابراهيم حمزة

عام 2009، أي بعد مرور نحو عامٍ على رحيله، صدرت للناقد المصري رجاء النقاش ثلاثة كتب، هي «الموت في قميص النوم»، و «هل تنتحر اللغة العربية؟»، و»ثلاث نساء من مصر». وأخيراً، صدر له كتاب جديد عنوانه «يحيى حقي: الفنان والإنسان والمحنة» (هيئة قصور الثقافة) يضم سبعة عشر مقالاً.
وإلى جوار منزلة إبداع يحيى حقي (1905- 1992) السامقة، يقف حسه الإنساني المرهف. إذ نجده، عند تعرض مصر لزلزال 12 تشرين الأول (أكتوبر) 1992 يصر على ترك المستشفى، الذي كان يعالج فيه ليفسح مكاناً لمصابي الزلزال المدمر، وفي التاسع من كانون الأول (ديسمبر)، توافيه المنية. بهذه الروح يكتب رجاء النقاش عن صاحب «قنديل أم هاشم»، المبدع والإنسان والـــسياسي، ويلفت إلى جانب خفي لديه وهو الشعر، ما دفع الأمين العام للنشر في هيئة قصور الثقافة الشاعر جرجس شكري إلى عنونة تقديمه للكتاب على النحو التالي: «يحيى حقي… شاعر قصيدة النثر».
يكشف النقاش عن نزوع شعري مبكر لدى حقي، تجلى في مواضع عدة في «قنديل أم هاشم»، 1944، منها: «كم من مرةٍ/ قطعتُ فيها هذا الطريق معك/ ذراعك في ذراعي‏/ فما شعرتُ أطويلٌ طريقُنا أم قصير؟/ أفي يومنا المسير/ أم في غد لم يأت بعد؟ أم هو في ماض من العمر/ قد ولى وفات/ كان الطريق/ هو الذي يقبل إليَّ/ يأخذ بيدي/ ‏ويريني اتصاله بالأفق/ على جانبيه/ دورٌ هادئة المأوى/ كصدور الحاضنات/‏ ويمر بنا أناسٌ/ كل منهم شعاعٌ/ من نور الله».
ويصف رجاء النقاش تلك المواضع بأنها «هي مما يسميه البعض الشعر المنثور ويسميه آخرون قصيدة النثر»، مشيراً إلى أن يحيى حقي نفسه انتبه إلى هذا الأمر وأكده في هامش طبعة سنة ‏1990‏ مِن «قنديل أم هاشم». لا يذكر اسم حقي إلا وتذكر روايته القصيرة البديعة «قنديل أم هاشم» والتي واجه صعوبات جمة لنشرها، حتى قدمه الشيخ محمود شاكر إلى «دار المعارف» التي طبعت الرواية بعدما أجازها طه حسين.
ويذكر النـــقاش في عنوانه: «لماذا قال يحيى حقي عن نفسه‏:‏ أنا‏‏ قليل الأدب؟‏!»،‏ أن بعض النقاد رأى في «قنديل أم هاشم»، تعبيراً عن مشاعر عدائية تجاه الشعب المصري، ما جعل حقي يقول فى حوار معه نُشِر في مجلة «الإذاعة والتلفزيون» القاهرية فى 25 نيسان (أبريل) 1991: «إنني الآن عندما أعيد قراءة مقاطع مما كتبته أقول إنني كنتُ قليل الأدب وكنت بذيئاً لأنني شتمتُ الشعب المصري شتائم فظيعة جدا‏ً،‏ وأنا شديد الخجل بسبب ذلك، فعندما أقول عن الشعب إن بوله فيه دم وديدان أي أنه مصاب بالبلهارسيا والانكلستوما، أو أقول عن الناس إنهم يسيرون كالقطيع‏، ‏فليس فيهم من يسأل أو يثور‏…‏ في مثل هذا الكلام بذاءة شــديدة ولا بد من الاعتذار عنها»‏.‏
لكن النقاش يرفض هجوم يحيى حقى على نفسه، مستشهداً بأن تشيكوف كان يقول عن روسيا: «إن بلدنا روسيا بلد سخيف، غليظ القلب»، وعلى رغم ذلك لم يتهمه أحد بالبذاءة، ولذلك فهو في رأى النقاش نوعاً مِن «الغضب المقدس»، إذ كانت كلها كلمات مبنية على حسن النية والمشاعر الطيبة النبيلة والرغبة في أن يتحرك أهل مصر من نومهم واستسلامهم لظروفهم الصعبة السيئة‏.‏
«تلميذ السيدة زينب»، هو العنوان الأصلي للكتاب، ولكن زوجة النقاش اختارت العنوان النهائي؛ «لأنه أكثر تعبيراً عن مضمونه». وفي لمحة مضيئة عن عشق يحيى حقي للغة، يرى النقاش أنه تلميذ للسيدة زينب (حي شعبي في القاهرة) بمعنى عشقه للمكان وأهله، وتأثير ذلك على لغته ورؤيته.
يقول النقاش: «يكفي أن نلقي نظرة سريعة على عناوين كتب يحيى حقي حتى نعرف أن قاموسه الأدبي مستمد من هذا الحي‏،‏ أو من هذه الجامعة الشعبية الكبيرة، ‏فمن عناوين كتب يحيى حقي نقرأ (أم العواجز) وهي لقب يطلقه الناس على حفيدة الرسول محمد صلى الله عليه وسلم؛ السيدة زينب. ‏وهناك أيضاً (قنديل أم هاشم) وأم هاشم هو لقب آخر يطلقه الناس على السيدة زينب‏،‏ وهناك (خليها على الله) و(من فيض الكريم) و(عطر الأحباب) و(من باب العشم ) و(كناسة الدكان)… كل هذه العناوين وثيقة الصلة بلغة حي السيدة زينب، ‏وهي لغة التواضع والتسامح‏،‏ والفرح بالحياة‏،‏ والتأدب في مخاطبة الناس‏، وفتح الباب بالمحبة والمشاعر الطيبة للتعامل الكريم مع الآخرين»‏.‏

(الحياة)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى