أقيم في غاليري بيكاسو في القاهرة: معرض «حكايات شعبية» الذاكرة الجمعية وافتعال تجسيدها

محمد عبد الرحيم

كانت البيئة الشعبية ومظاهرها من أهم المصادر التي حاول العديد من التشكيليين تجسيدها من خلال أعمالهم، كل حسب رؤيته لهذه البيئة وطقوسها وناسها، ودرجة تفاعله معها، سواء قبولاً أو رفضاً، بداية من جيل رواد التشكيل المصري، وحتى الجيل الحالي. ولكن إلى أي مدى يمكن أن نلمح التأثير في روح الفنان ومحاولة تجسيده من خلال لوحته، بغض النظر عن التجارب الفنية الكثيرة التي تتوسل بالطقس والبيئة الشعبية، بدون روح، وبالكثير من الافتعال؟ الأمر الآخر هو كيفية التوفيق ما بين الأفكار والرؤى الحداثية، وبين الموروث ومظاهره الحياتية. هذه الأسئلة كان من الضروري إثارتها بمناسبة معرض «حكايات شعبية»، الذي أقيم مؤخراً في غاليري بيكاسو في القاهرة، وهو معرض مشترك بين كل من الفنانين شادي فرغلي وشاكر الإدريسي. ورغم تباين الأسلوب إلا أن كلا منهما حاول التعبير عن الروح الشعبية المصرية، التي تعتبر روحاً من الذاكرة، فالطقوس والعادات ضُربت بقسوة، وتم مسخها في الآونة الأخيرة لأقصى حد، ويبدو أن الأمل يكمن في ذاكرة الفنان وحده.

الاحتفاء بالشخوص

ينتهج الفنان شادي فرغلي أسلوباً يقترب من التشخيص المباشر، محاولاً إظهار مدى ارتباط العديد من الفئات الاجتماعية، خاصة المنتمين إلى الأجواء الشعبية بمظاهر الطقس الشعبي، من ألعاب الأعياد والموالد والمقاهي الشعبية، وما شابه من تجليات الحواري وبعض قرى الريف المصري، شمالاً وجنوباً، كالراقصات والأراجيح الطفولية، كذلك ألعاب التحطيب المنتشرة في جنوب مصر. هناك حالة احتفائية بهذه الأجواء وناسها، يبدو ذلك في الألوان المُبهجة وحركات الأجساد الراقصة، سواء وهي في حالة رقص فعلي، أو وهي تتمايل من خلال الألعاب والتفاعل مع ما تراه الشخوص. الحالة اللونية بالضرورة تختلق إيقاعها، ليبدو إيقاعاً سريعاً يوحي بموسيقى الاحتفالات والأعياد وصخبها المعهود.

التجريد والإيحاء اللوني

وعلى العكس من أسلوب فرغلي، يبدو الفنان شاكر الإدريسي تجريدياً أكثر، وفقط من خلال ملامح غير مُكتملة في أغلب اللوحات للشخوص، يصبح التركيز أكثر على الخطوط واختصارها إلى حدٍ كبير، للتعبير عن العادات الشعبية وطقوسها، كاحتفالات الزواج والميلاد. اللعب هنا على الحالة النفسية من خلال اللون المسيطر، وما بين الأخضر والأصفر تتواتر اللوحات في درجات مختلفة، إضافة إلى التفاعل مع بعض الحيوانات من البيئة المحيطة. ابتعد الإدريسي عن المباشرة في التجسيد، وهو ما يتيحه التجريد، فالحالة الإيحائية أكثر من التجسيد، وتبتعد مسافة عن التشخيص.

الحِس الشعبي وروح الفنان

ومن لوحات كل من الفنانين ــ بما أنهما اجتمعا في معرض واحد وتحت المُسمى نفسه ــ لنا أن نتساءل، هل الروح الفنية من خلال ما قدماه متأثرة بالفعل بالحِس الشعبي؟
نلحظ أن هناك حالة من الافتعال في تجسيد الأجواء الشعبية المصرية ــ رغم الحِرفية خطاً ولوناً ــ وإن بدت الأعمال من الوهلة الأولى تعبر في صدق فني عن حال الحواري والأزقة، والمقارنة ما بين طقوس الريف والمدن، إلا أنها بعيدة عن هذه العوالم وناسها وطبيعتها، مجرّد نظرة مُتعالية وقاصرة بالضرورة، حتى لو انتمى كل منهما لهذه البيئات، وحاولا التحدث عنها.

(القدس العربي)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى