الكاتب محمد خشان رحل حين صدور مذكراته

 

لم يتسنّ للكاتب والمناضل الفلسطيني محمد كامل خشان ان يفرح بكتابه «العودة الى جليل المسيح» فالموت فاجأه حين صدوره عن دار كيكا( توزيع دار الجمل). والكتاب ينتمي الى ادب المذكرات، وقد كتب مقدمة له الروائي الفلسطيني اسامة العيسى الفائز بجائزة الشيخ زايد عن روايته «مجانين بيت لحم» بعنوان «محمد خشان مدجن الألم». وهنا نصها.
يستعيد الكاتب محمد كامل خشَّان، في فصول مذكراته، حياة كاملة، في الجليل الذي كان يستعد للخروج من سباته، بعد عهود موات ثقيلة خلال أكثر من أربعمئة عام؛ احتلال يولّد احتلالاً، ولكنه وجد نفسه يسقط مجدداً في قبضة احتلال جديد قاس.
وخشّان، وهو يفعل ذلك يستعيد وطناً، نأى بعيداً عنه، وقرّبه النأي منه أكثر، في سيرة متفردة، فالكاتب لا يأتي من رحم المقاومات المتعاقبة، كما رأينا في مذكرات غيره، وليس عليه أن يوزع صكوك اتهامات أو براءات أو يدعي بطولات، أو من أوساط النخب التقليدية، همه تأكيد إرث ديني، أو موقع ارستقراطي، ولكنه واحد من غالبية الفلسطينيين الذين خُنقت أصواتهم، أو لم تمنحهم مغالبة الحياة، فرصة لالتقاط الصوت.
كفلسطيني نموذجي، تكون قريته مركز الكون، في وعي ما بعد النكبة، وتظهر سحماتا، كأنها المرجعية لكل ما مرّ ورأى وجرّب وعرف خشَّان الذي ينتمي إلى جيل النكبة الأوَّل الثقافي، فيطوف مع القارئ على أسماء النخب الفلسطينية من كتاب وتربويين صنعوا وعيه ووعي مجايليه، ولكنه لا يكتفي بالاعتماد على الذاكرة، فيعيد حكاياتهم إلى ما خطوه بأقلامهم.
تختفي خلف كلمات المؤلف غصة وحزن عميقان، ولكنه يبرع في عدم إظهارهما في شكلٍ فج، حتى وهو يبدي ذلك صراحة تجاه مواقف في حرب فلسطين، كدور جيش الإنقاذ، أو الجيوش العربية الأخرى.
يتمتع خشَّان بروحٍ مرحة، وحس عالٍ بالسخرية، وفي معظمها سخرية مُرَّة، ولكن لا يجعل سوادها يستمر إلا لحيظات، فيعود ليمسك بيد أنيسه القارئ، في رحلته التي طالت، مثل شتات الفلسطينيين، أكثر من اللازم.
يكتب خشّان عن فلسطينه، لكل لاجئ فلسطينه الخاصة، ولكن من دون بكائيات، وليست لديه، وهو يقتفي رحلة حياة، أية أحقاد، أو حسابات مؤجلة، وحان تصفيتها، يمضي في الحياة بروح صوفي، وثقابة حكيم، ووجع زيتوني داخلي، وكأنه يقف أمام العالم وحيدًا، ليقول ها أنا، لم تشوهني النكبات، بقدر ما جلل العالم جليله- فلسطينه بها، متفرجاً ومشاركاً في صنعها.
يحتفي بالصداقة والنَّاس والرفقة، من دون شروط، ويستذكر من دون رتوش تفاصيل تلك الحياة التي لن تعود، في الجليل، جليل المسيح، والأساطير، والأنبياء، والأولياء، والبطولات الفردية، والأشجار، والنباتات، والحجارة، فيصبح شاهداً، وشهيداً لعشقه، ولكن ليس قبل أن ينثر ذلك الجليل، تفاصيل حياة وموت يتجددان، كما حدث منذ أن دجّن أوّل إنسان النار في مغارة جليلية.
خشان يُدجن الألم، وينفخ روحاً في نسغ الأمل…!

(الحياة)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى