“صرخات انثي ” مجموعة تحاكي الواقعية

خاص(الجسرة)

ياسمين السيد

” وقفت امام المرأة تتامل ملامحها.. اصابها التعجب والاندهاش مما لحق بتلك الخصال السوداء من شعرها، وتلك التجاعيد التي نالت من وجنتيها .
الصمت يخيم علي تلك الحجرة منذ الامس ،حيث غادرها وهو غاضب من تلك التصرفات التي كسرت الكبرياء داخله ”
هكذا جاءت المجموعة القصصية “صرخات انثى ” للكاتب الصحفي ” السيد الزرقاني ” الصادرة عن دار ” الجمل ” في 115 صفحة وتحتوي على اكثر من 30 قصة قصيرة تحاكي الواقع المرير للمراة في المجتمع المصري فيما بعد الانفتاح حيث هاجر معظم الرجال الى دول الخليج العربي او حتي الهجرة في الداخل حيث نجده في قصة “بسمة ” يرسم لوحة لامر واقع في حياة بسمة البطلة فيقول “-ذات مساء في ليلة مقمرة خرجت الى عالمها الفوضوي الذي غلب على اكثر ايام عمرها، الذي منحته لانسا ن يعشق غربته المميتة له ولها
امسكت بتلك الملابس الداخلية التي طالما اهداها الىها عند كل اجازة ياتي فيها الىها، او تسافر هي الىه عندما يغلبها الشوق وتحاول ان ترسم علي وجهها البسمة واللهفة الجسدية التي تحرقت من نيران البعاد
القت بها الى اسفل خزانة الملابس التي ملت فتحها وغلقها من كثرة ما بها من ملابس لا تدري لمن تلبسها وهو بعيد عنها في سفره هذا ؟..
خرجت (بسمة )الى الشرفة تنادي نفسها، التي طالما احست انها فقدتها يوم اغراها السفر الى عالم، لم تدرك انه سيؤلمها في نهاية حياتها، وهي على مشارف الاربعين من عمرها
اطلقت العنان الى خيالها فى الفضاء الرحب، الذي يحيط بتلك الفيلا ذات الفخامة في مبناها، وما بها من نقوش وزخارف انيقة ومبهجة وحوائط واسور واشجار وغيرها
مدت يدها الى الاغصان التي تحررت..وانطلقت الى عنان السماء تحاكي الجو البديع في خضار بهيي، والقت بنظرة الى حالها في محبسها الاسري الذي طالما عانت فيه من وحدتها في كل مساء” وفي قصته “خلي بالك مني ” ياخذنا الكاتب في صرخة اخري من صرخات النساء اللتي فقدنا الحب والمشاعر الدفيئة في حياة اسرية غلب عليها الرتابة والبرود فنجد البطلة قد هاجرت الى بلاد الغربة لتبحث عن الدفء الا انها صدمت في واقع مرير حيث نجدة يقول ” هربت بجسدها الى بلاد الغربة ،فاصدمت بحائط الزمن مع رجل لايحمل من الاحساس الا اسمة..فالعمل وجمع المال هو شغله الشاغل ليل نهار فوق جليد تلك البلاد
في المساء جاء صوت ابنها البكر ينادي فيها الحنان الذي حرم منه قسرا. جاء يطلب الحضن الدافي الذي يستظل به من جليد الايام الكئيبة التي يحيا فيها منذ ان تركت المنزل وهو مازال في الصف الثاني الاعدادي . سنوات عديدة مرت، ولم يخطر في بالها انها ستسمع هذا النداء
كانت تحلم به ضابطا بالجيش، ليدافع عن وطنه ضد الارهاب المتطرف الذي عصف بالامة العربية على متسع اطرافها
فرت من عينيها الدموع رغم تظاهرها بشيء اخر تقطع قلبها حسرة علي حالة الانهيار التي يمر بها (حضرة الظابط )
رسمت الحزن في قلبها كتابا واصبح يؤرق نومها منذ تلك اللحظه ………حاولت مرات عديدة ان تغلق صفحاته في بلاد الغربه.. اصيبت بانهيار عصبي واكتآب نفسي، كاد ان يقضي عليها في لحظات الوحدة
حاولت التماسك امام الآخر،والذي نجح في انجاب طفلة منها، واصبحت بين نيران من في ارض الكنانة، والطفلة الاخرى في بلاد الليطاني الباردة في مشاعرها وونسها ” وتلك المجموعة تعتبر الاصدار الرابع له بعد روايته الاولى” الوجه الاخر للقمر ” وزمن القهر والهروب وقد افتتحت المجموعة برؤية للكاتب صالح شرف الدين التي قال عنها ” وهكذا نجد القصص تعالج مشاكلا حياتية اجتماعية وضع عليها الكاتب بعضا من التوابل بأن جعل محورها المرأة ،وكانه يؤكد لنا ما ذهب اليه ابن عربي قديما عندما قال :”مالا يؤنث لا يعول عليه”،وغاص في عمق الطبقات الاجتماعية ليرصد ظواهرا قد يمر عليها الكثيرون دون اكتراث ،ورصد بخبرته عمقا إنسانيا في نفوس أبطاله ،وصراعا من أجل الحياة وللحياة ،ولأن الكاتب ابن البيئة التي يحكي عنها ،نجد للفيس مكانا في قصصه وإن لم يكن محورها
وبلا مبالغة أقول :إن هناك قصصا تبشرنا بكاتب متميز قادر على أن يجعلنا نعيد القراءة وكلما أعدناها زاد مقدار الجمال ،من هذه القصص: قصة (الهروب )التي التزمت فنيا فصارت مبهرة ،وكذلك قصة (الجلد الناعم )،وأدعوكم إلى قراءة هذه المجموعة ،فهي تستحق الاقراءة والتأمل.

 

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى