إتقان تشويه المُشوه لخلق الجمال المناسب

قيس مجيد المولى

 

أحيانا لا يتم التركيز على أشياء بعينها، أي لا يضع الشاعر له خلفية قبل بدء الإنتاج، ولربما أن تشتت الرؤى والأفكار يؤديان إلى تشتت الغرض الذي من أجله يُكتب النص.

ولاشك أن هناك إيحاءات للذهن وإيحاءات بصرية وسمعية وكلها قد تستقل بمعانيها أو تتداخل بعضها مع البعض في المضمون الإفتراضي الذي يقرره كاتب النص سواء بالرمز أو بالإيحاء أو بالتسلل البطئ من قبل المتلقي للمعنى الأحادي التعبير أو ما يسمى المعنى الخاص، وهو اعتقادٌ بأن النص الحداثوي لا بد أن يمر عبر تلك الآصرة عندما يتم تغييب – وبقدر محسوب – عاملي الزمان والمكان والإستعارات المفرطة والتشبيه المُمل والإيقاعية الإرغامية، وكذلك محاولة الإنتقال بالمعنى قسريا إلى المعنى الرنان بالقفز فوق الإحساس بالكلمات ولا بقدراتها التعبيرية العاطفية أو ضمان إنسيابيةٍ أمثل لها إن أُستخدمت السخرية أو أُستخدمَ شكلٌ من أشكال الدراما الحزينة التي تُلتقط من السمع والبصر والذائقة الخفية.

لقد أشار رتشاردز إلى أن الكلمة تستطع أن تحمل ظلالا مختلفة من المعاني وأن مضامينها تنبسط أو تتحرك حسب ما تقدمه وما سوف يتلى بعدها من ألفاظ أي أن هناك وأثناء عملية الخلق، تطورين متصاحبين: تطور في اللغة، يصاحبه تطور في الشعورـ مما يدفع بكاتب النص إلى معاينة جديدة لإسترساله وإلى التفريق بين النمو التلقائي والنمو المستحدث بإرادة المتغير الجديد في اللغة والشعور.

وهذا يعني أن الشاعر قد وجد مجالا جديدا لفقدان الطمأنينة أي السماح لبنية النص بتبني صراعا جديدا ليس بالضرورة أن يتفق مع عروضه التي قدمها مبكرا ، ونعتقدَ بأن النص بشموليته سيصب ضمن هذا المعنى.

إن الشاعر في منحاه الجديد يعي ذاتيا كيفية فهم الأنماط السلوكية للكلمة، وكيفية سرد بياناتها اللاإرادية، وهو تبلورٌ فجائي يزيد المخيلة عمقا ويحررها من ثقلها غير المناسب، وهذا يعني إنقاذها من البقاء في عاطفة مطلقة أو ضمن معرفة مقنعة بالقياسات والضوابط.

ولعلَ إدراك تلك التراكيب، وتلك الرؤى، وتلك التصورات للحداثة الشعرية، يتطلب من المتلقي فهما أوسع لطبيعة الجمال إن كان مخبوءا في الإيحاء أو في الغموض أو حتى في التغريب المقصود مادام الشعر منتجا غير ثابت مما تنتجه الحواس.

إن الإحساس باللحظة المناسبة يعني الإحساس بالرّهبةِ المناسبة لإدراك ما لا يُدرك من الخصائص المحورية لهذا العالم والتي يعكسها أداء أي من الموجودات المستخدمة حين يحسن إنتقاؤها وإتقانها، بل وحين يحسن نقلها لمكانها المناسب عبر تجديد تشوهها بتشوه مناسب لتخلق جمالها الذي تختاره ضمن قائمة الموضوعات الأبدية المفعمة بالحزن والموت والغياب.

وهو عمل يترتب عليه أن يطرق الشاعرُ أكثر من باب في ذاته ليجد أن الجمال في كل مكان بدون أن يقرر أن ما يكتب عنه واقعاً أو أسطورة.

(ميدل ايست اونلاين)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى