أشرار السينما المصرية .. الوجه والقناع
أحمد رجب شلتوت
“الوجه والقناع.. أشرار السينما المصرية” عنوان مراوغ اختاره الناقد السينمائي محمود قاسم لأحدث كتبه الذي أصدرته مؤخرا وكالة الصحافة العربية ناشرون.
تأتي المراوغة من المفارقة التي تثيرها الدلالات النفسية المتناقضة لكلمتي: الوجه، والقناع.. وهما تلمحان إلى تناقض محتمل بين صورة ممثل أدوار الشر على الشاشة وصورته في الحقيقة، هكذا قد يضل القارىء ويتوقع أن يقدم له الكتاب بورتريهات عن شخصيات الفنانين تكشف عن مقدار التناقض بين الواقع والفيلم، لكن الكتاب – وعلى العكس من هذه التوقعات – يقدم عبر صفحاته صورا رسمها الناقد بقلمه لأربع وعشرين فنانا وفنانة، أتقنوا أدوار الشر وعرفوا بها، يجمع ملامحها وخيوط حكايتها من شخصيات مختلفة أداها النجم في أفلام عدة.
وقد أتقنوا هذه الأدوار وتخصصوا فيها رغم معرفتهم المسبقة بطبيعة الجمهور التي تنفر من الشرير، وبأنه في أفلام السينما المصرية لا بد أن ينتصر الخير في النهاية، والهزيمة بالطبع نهاية حتمية للشرير، ربما يظن صناع تلك الأفلام أنهم يسبغون بذلك قيمة أخلاقية تثري مضمون الفيلم. هنا تكمن صعوبة الاختيار لدى ممثل أدوار الشر، لكنه يدرك أن موهبته لا تكتمل إلا إذا أدى كل الأدوار التي تُسند له بنفس الإتقان، حتى وإن تناقضت، يصبح الدور قناعا، وتتبدى مهارة الممثل كلما أتقن لعبة تبديل الأقنعة، دون أن يدرك المشاهد تلك المسافة الدقيقة الفاصلة بين الوجه والقناع.
• الطيب والشرير
عبقرية تتملك الممثل وهو يؤدي أدوار الشر، وقد حاول الكتاب رصد قسماتها، لذا كان طبيعيا أن يبدأ بشخصية الفنان زكي رستم الذي يقول عنه الكتاب:
أهم عباقرة التمثيل بلا منازع في السينما المصرية، لديه قدرة غريبة على التقمص والاندماج، وأن يقنع المشاهد بأدائه مهما كان حجم الدور الذي يُسند إليه. وقد اختاره المخرجون لأدوار الشر من أول أفلامه “زينب” عام 1930، وتعددت أدواره الشريرة، ورغم نمطيتها إلا أن موهبة زكي رستم جعلته ينوع في أدائه ليبدو في كل مرة مختلفا، فهو لم يكرر أداءه أبدًا رغم تشابه الأدوار. ويرى المؤلف أن ملامح وأداء زكي رستم كانت تنتقل بسلاسة ومرونة بين الخير والشر، وإن انتقل بحدة بين دور البطولة والأدوار الثانية.
وجمع الكاتب فى تلك السمات بين زكي رستم وبين اثنين آخرين من عمالقة فن التمثيل هما: حسين رياض، وسراج منير، فكل من النجوم الثلاثة كان صاحب تكوين بدني قوي وموهبة كبيرة جعلته يجمع بين الطيب والشرير.
يذكر الكتاب أن سراج منير أتيح له تقديم أدوار كثيرة متنوعة لم تتح لممثل آخر سوى فريد شوقي، وأثبت في كل أدواره قدرة فائقة على التقمص سواء كان طيبا أم شريرا، أما حسين رياض فقد أدى أدوار شر عديدة وسط نهر فياض من الوجوه الطيبة؛ لذا يضعه الكتاب على رأس ما يسميه بقائمة الألف وجه، ويرى أن ذكاء حسين رياض دفعه للخروج من دائرة الدور الواحد أو النمط الواحد، حتى حينما لعب أدوار الشر كان شريرا أرستقراطيا غير نمطي، فشره يرتبط بحاكم طاغية كما فى فيلم “المماليك”، أو برجل من علية القوم، وهو شر لا يرتبط بالجريمة العادية بقدر ما يرتبط بالسلطة.
• الشرير الظريف
الشرير ليس مجرما مرعبا في كل الأوقات، بل أحيانا يكون ظريفا مضحكا، قدم الكتاب ثلاثة نماذج لهذا النوع، منها نموذجان شهيران والثالث كان مفاجأة للقارىء أن يدرجه الكتاب فى زمرة الأشرار، أول الثلاثة ستيفان روستي، الذى بدأت علاقته بالسينما بالوقوف خلف الكاميرا مخرجا، كما شارك أحيانا فى الكتابة، لكنه شارك في تسعين فيلما كان في أغلبها شريرا ظريفا، خاصة في الأفلام الغنائية لفريد الأطرش. ثاني الثلاثة هو توفيق الدقن الذى تصفه الصفحات بأنه حالة خاصة فى أدوار الشر، فهو الوحيد الذي اعتاد أن يطلق عبارات سخرية مثل “أحلى من الشرف مفيش
و”ألو يا دانس” و”يا آه يا آه”، وقد جعلته هذه العبارات أو الإفيهات أكثر جاذبية من نجوم كبار كان سنيدا لهم في أفلامهم. ويراه الكتاب شريرا شعبيا، بمعنى أنه يسكن المناطق الشعبية ويمارس سطوته وشره فقط على الغلابة.
وثالث الثلاثة هو عادل إمام وكان مفاجئا أن يعتبره الكاتب شريرا، استنادا إلى خروجه عن القانون في العديد من الأدوار التي أداها والتي ارتبطت بظاهرة الانفتاح الاقتصادي وما صاحبها من تغيرات في المجتمع المصري، فقد فضل أن يؤدي شخصية الباحث عن الكسب السريع دون مجهود، وكانت الثروة تأتيه فعلا بشكل مفاجىء كما في أفلام “رجب فوق صفيح ساخن” و”شعبان تحت الصفر”
و”رمضان فوق البركان”، والخطورة فى مضامين هذه الأفلام أن النجم المحبوب جماهيريا لا بد أن يفوز بكل شيء رغم عدم مشروعية وأخلاقية أساليب تحقيق أهدافه.
• شريرات فاتنات
ربما كانت نجمة إبراهيم هي أول ممثلة مصرية تخصصت في أدوار الشر، لدرجة أن المشاهد لا يتذكر لها دورا واحدا أدت فيه شخصية طيبة، وقد أرجع الناقد الراحل سعد الدين توفيق ذلك لوقوع الممثلة فى أسر دور “ريا” الذي مثلته في فيلم “ريا وسكينة”، لكن نقادا آخرين أرجعوا ذلك لنجاحها فى أدوار الشر منذ أول أفلامها مما دفع المخرجين إلى إسناد نفس الدور لها قبل وبعد “ريا وسكينة”، فاستمرت تؤدي دور الشخصية الشريرة لمدة نصف قرن مهما اختلف المخرجون ومهما تنوعت اتجهاتهم.
وربما كانت زوزو حمدى الحكيم هي الفنانة الوحيدة التي أخلصت لأدوار الشر بعد نجمة إبراهيم، لدرجة أن المرء ليعجب من كون صاحبة كل هذه الوجوه الشريرة هي من ألهمت الشاعر الكبير إبراهيم ناجي العديد من قصائده، وربما ملامح وجهها المتجهمة وقوة شخصيتها، وارتباط ذلك لدى المخرجين بالشخصية الشريرة القاتلة هو ما دفعهم لإسناد هذه الأدوار لها، على العكس من أخريات قمن بأدوار شريرة وأدوار خيرة مثل زوزو ماضي التي ارتبطت فى بعض أفلامها بدور الأرستقراطية الحسناء الشبقة، وزوزو نبيل التي يضعها الكتاب في المرتبة الثانية بعد نجمة إبراهيم في إتقان أدوار الشر.
أما ليلى فوزي الجميلة التي ظهرت على الشاشة وهي ابنة خمسة عشر عاما ولم تغادرها طيلة عمرها الذي جاوز الثمانين، فقد ظلت تقدم دور الحسناء حتى شاركت فى فيلم “خطف مراتي”، بعده لم تتغير إلى أدوار الشر بل استطاعت عبر بعض الأدوار أن تغير الصورة تماما بالنسبة للفاتنات الشريرات، وهنا يتوقف الناقد ليقارن بين أداء ليلى فوزي في فيلم “من أجل امرأة” إخراج كمال الشيخ 1958، وبين الممثلة الأميركية باربرا ستانويك التي أدت نفس الدور فى فيلم “تأمين مزدوج” المقتبس عنه فيلم كمال الشيخ، وقد نالت ألقابا عديدة بعد نجاح هذا الدور منها “ملكة الجسد والمؤامرات”، وقد ارتبطت الحسناء بالشخصية الشريرة التي تبرع فى تدبير المؤامرات حتى بعدما هجرتها السينما لكبر سنها واتجاهها للتليفزيون كما فى دور دليلة في مسلسل “علي الزيبق”.
• كلمة أخيرة
صحبنا محمود قاسم عبر 340 صفحة في رحلة شيقة عرضت لتاريخ السينما المصرية منذ بداياتها وحتى اليوم لكن دوره كمرشد للقارىء فى هذه الرحلة كان يتطلب أشياء لم يقم بها أقلها أن يذكر في المقدمة أسباب اختياره للشخصيات الأربع والعشرين التي تناولها من بين مئات الشخصيات، وأن يوضح أسباب ترتيبه لهذه الشخصيات، فقد بدا الترتيب عشوائيا إلى حد كبير.
(ميدل ايست اونلاين)