يوسف بكّار: ليس ثمّة ديوان كامل منفرد متفق عليه عنوانه ‘رباعيّات الخيّام’
محمد الحمامصي
يرى المترجم والباحث الأردني د. يوسف بكّار في كتابه “الترجمات الأردنيّة لرباعيّات الخيّام.. دراسة نقديّة”، أن ليس ثمّة ديوان كامل منفرد متفق عليه عنوانه “رباعيّات الخيّام”، لأنّه لا يعرف – إلى الآن – لا عدد الرّباعيّات ولا الصحيح من المنحول منها، إلى عمر الخيّام، بل ثمّة مجموعات شتّى خطيّة ومطبوعة متفاوتة الأعداد يصل بعضها إلى الآلاف أُطلق عليها «رباعيّات الخيّام» جعلت تزداد يومًا عن يومٍ منذ وفاة الخيّام.
ويؤكد في كتابه الصادر عن الآن ناشرون وموزعون أن لا وجود لترجمة واحدة عددًا وموضوعًا في العالم كلّه للرباعيّات سوى تلك التي ترجمت عن “منظومة فيتزجيرالد” الإنجليزي أو غيرها من الترجمات الأجنبيّة الأخرى، وسوى منظومات قليلة نظمها بعض الشعراء العرب عن مترجمين عرب وغير عرب كذلك.
ويقول د. بكار إنّ كلّ ما اختير وترجم من الرّباعيّات في أنحاء المعمورة كافة مهما يكن عددها – ولو رباعيّة واحدة – ليست سوى مختارات حسب ما يسلك في عداد ترجمة الرّباعيّات؛ وهذا ما نهجته حين ألّفت كتابي “التّرجمات العربيّة لرباعيّات الخيّام: دراسة نقديّة” (1988)، ففيه ترجمة لرباعيّة واحدة فقط. ما ترجم من الرّباعيّات في الشرق والغرب بلغات شتّى كثير، وجلّه بالإنجليزيّة والفرنسيّة. فقد أصدر محسن رمضاني، وهو من الخيّاميين الإيرانيين المعروفين، عام 1987 بمناسبة معرض طهران الدّولي للكتاب مجلّدًا كبيرًا عنوانه “رباعيّات حكيم عمر خيّام به 30 زبان” (رباعيّات الحكيم عمر الخيّام بثلاثين لغة)، وأصدر مسعود ميرزائي عام 1991 كتابًا بعنوان “رباعيّات خيّام به يازده زبان” (رباعيّات عمر الخيّام بإحدى عشرة لغة). وذكر الدكتور محمد صبحي أبو غنيمة في محاضرة له أيّام كان في دمشق أنّ الرّباعيّات ترجمت إلى تسع وأربعين (49) لغة”.
ويشير د. بكار إلى الترجمات والمنظومات العربيّة المختارة من الرّباعيّات تعدّ، إلى الآن في ما وقع في يدي وأملكه، أربعًا وسبعين في الشّعر والنثر واللّهجات العاميّة، كنت درست عام 1988 ستًّا وخمسين (56) منها دراسة نقديّة في كتابي المذكور آنفًا. فأمّا الثماني عشرة (18) الأخرى فهي ما تمكّنت من الوصول إليه، من بعْدُ، سواء ما فاتني من المرحلة السابقة وهو قليل، أم ما صدر بعد ذلك وهو الأكثر، وقد درست نصفها جميعًا ونشرته في مجلاّت وصحف عربيّة مختلفة، وظلّ النّصف الآخر ينتظر وأنا في صدد إنجازه بحول الله تعالى. حينئذٍ أضمّ هذه الدراسات إلى تلك التي في الكتاب الأم بعد أن أُعيد النّظر فيها على وفْق ما جدّ من معطيات ومعلومات، ثمّ أصدره في طبعة ثانية مزيدة ومنقّحة أخّرتها عمْدًا لهذا السبب المدّة الطويلة هذه”.
ويضم الكتاب الحالي سبع ترجمات أردنيّة كان د. بكار قد درس أربعًا منها دراسة أوليّة في الكتاب الأم من خلال معطيات هاتيك السنين وما توافر من مواد ومعلومات، وهي ترجمات: “مصطفى وهبي التّل (عِرار)، وعيسى النّاعوري، ونويل عبدالأحد الذي لم تتوافر لديّ معلومات عنه آنذاك كما هي الحال الآن، حتّى إنّني ظننته سوريًا، وتيسير سبول.
وقد توافرت لديّ معلومات جديدة عن ترجمة التّل التي حقّقتها وأصدرتها في كتاب، وأخرى عن تيسير سبول وترجمته ومنظومته، هي التي أثمرت أن تكون دراستهما في هذا الكتاب كاملة عما هي عليه في الكتاب الأم، لما أضيف من زيادات وأُجري من تعديلات على المترجمين نفسيهما والترجمتين في آن. أمّا الترجمات الثلاث الأخرى، فترجمة محمد الظاهر التي تعود إلى حقبة الكتاب الأول وهي ممّا فاتني، وترجمة محمود شلباية وترجمتي أنا فهما جديدتان.
ويلفت د. بكار إلى أنه آثر أن يفرد هذه الترجمات السّبع في كتابٍ وحدَه، لأبرز دور المترجمين الأردنيين وسُهْمتهم في ترجمة أعداد من رباعيّات الخيّام؛ فهي سُبْع الترجمات العربيّة تقريبًا، ناهيك بأنّ ترجمة عرار كانت أوّل ترجمة عربيّة (1922) عن الفارسيّة والتركيّة معًا وذا مؤشر تاريخي مهم.
وقسم د. بكار الكتاب فصولًا سبعة مرتبة تاريخيًّا وفقًا لتاريخ صدور كلّ ترجمة، عرّف فيها بالمترجم ودرست ترجمته بالتفصيل والنقد، باستثناء الفصل الأخير المعقود لترجمته حيث اكتفى بأن أُثبت الرّباعيّات التي ترجمها مسبوقة بتنوير كاشف.
وقد ألحق بكار بترجمة عرار أربع عشرة (14) رباعيّة نظمها الشاعر المصريّ عاطف مصطفى محمود شعرًا ودرسها، وأثبت ترجمة نويل عبد الأحد كاملة مع أصولها الفيتزجيرالديّة التي لم يثبتها هو، لبُعْد العهد بها ولأن ليست ثمّة من يتدبّرها. فأمّا تيسير سبول فتوسّع في دراسة أثره الذي يجمع بين الترجمة والمنظومة وأدرج رباعيّاته كلّها مع ما استطاع أن يتبينه من أصول أكثرها الإنجليزيّة. أمّا عيسى الناعوري ومحمد الظّاهر فدرس ترجمتيهما رباعيّة رباعيّة من خلال الأصول الإنجليزيّة للترجمة الإيطاليّة التي ترجم عنها الأول والأصول الإنجليزيّة لترجمة الآخِر.
يلقي د. بكار الضوء على المترجم مصطفى وهبي التّل (عِرار) موضحا أنه كان وفقًا لمعطيات زمانه في النصف الأول من القرن العشرين، متعدد الاهتمامات المعرفيّة والميول الفكريّة والنتاجات الإبداعيّة بقطع النّظر عمّا بين أصدقائه وزملائه ومجايليه ودارسيه من تباين في ثقافته تنوّعًا وعمقًا. وعلى الرّغم ممّا خلف من آثار في القصّة والمقالة والنّقد والاجتماع والسياسة التي جعل دارسوه، في العقود الأخيرة، يعنون بها وينشرونها نشرًا علميًّا مدروسًا؛ فإنّ الشّعر أولًا والتّرجمة ثانيًا يظلّان ميدانه الأوّل والأفسح، لاسيّما أنّ ترجماته، ورباعيّات الخيّام تحديدًا، رفدت شعره وأثّرت فيه تأثيرًا واضحًا لمن ينعم النّظر فيه إنعامًا مبعثه المعرفة بالرّباعيّات وصاحبها معرفة رصينة.
كان لمصطفى مع الخيّام والرّباعيّات قصّة طويلة، فقد وصف نفسه بأنّه كان “خيّامي المشرب”، ونُسب إليه أنّه كان يرسل شعره على كتفيه، ويعاقر الصّهباء دون ميقات أو نظام، ويصدر عن فلسفة ما، ويغضب غضبة خيّاميّة تأسيًّا بالخيّام الذي رسم له عن الرباعيّات صورة خاصّة في ذهنه.
فأمّا الرّباعيّات فيذكر أن عينه وقعت، أوّل مرّة، على ترجمة “رباعيّات الخيّام” لوديع البستاني عند صاحب “حانوت” في إربد قبل أن يلتحق بمدرسة “عنبر” بدمشق، وتمكّن من قراءتها في الحانوت، لأنّ الرّجل لم يسمح له بالكتاب، فراقه ما فيها من خواطر وأفكار أعجبته. ويقال إنّه نظم، بعد أيام من قراءة ترجمة البستاني، قصيدة في “مخمّسات” تأسّى فيها بالخيّام وتأثّر بالرّباعيّات. أوّلها:
يا نديمي، هل سمعت الغردا؟
هاتِ نحسو كلّنا رغم العِدا
قد خُلقنا للصّفاء لا للشّقا
همّنا نصفو ونلهو أبدا
بين (ناي) و(رباب) و(شراب)!
وتطوّر عشقه للخيّام وتأثيره فيه إلى ترجمة مختارات من الرّباعيّات يعود تاريخها إلى عام 1922 إذ ترجم مئة وخمسًا وخمسين “155 رباعيّة “عن كتاب بالتركيّة مطبوع في الآستانة بعنوان: “رباعيّات الخيّام” بقلم الأديبين العالمين حسين دانش “أستاذ الأدب الفارسي في دار الفنون بالآستانة سابقًا” والفيلسوف العثماني المعروف رضا توفيق”.
وحول ترجمة عيسى النّاعوري، يقول د. بكار “ترجم النّاعوري ثماني (8) رباعيّات عن الإيطاليّة المترجمة عن الإنجليزيّة، ونشرها بعنوان “رباعيّات جديدة لعمر الخيّام” عام 1954 في مجلّة “الأديب” اللبنانيّة، وقدّم لها بقوله: “هذه ثماني رباعيّات جديدة، وردت في طبعة للرّباعيّات أخرجها المستشرق الإنجليزيّ آرثر جون آربري عام 1949، عن مخطوطة قديمة لدى أحد هواة جمع الكتب، واسمه تشستر بيتي. المخطوطة تحتوي على (172) رباعيّة كتبها في نيسابور، مسقط رأس الشاعر عمر الخيّام، رجلٌ اسمه محمد القوام في سنة 658هـ / 1259 – 1260، أي بعد قرن واحد من وفاة الشاعر. وقد علّقت على هذه المجموعة التي نشرها المستشرق الإنجليزي مجلّة الشرق الحديث Orient Modern الإيطاليّة، التي تصدر عن معهد الشّرق، في روما، في عددها الصّادر في شهر أبريل/نيسان 1954 تحت عنوان “مخطوطتان قديمتـان لرباعيّات الخيّام يكشفهمـا المستشـرق آربري.. والتعليق بقلم المستشـرق الإيطالي إسكندر باوزاني Al essandro Bausani. وقد ترجم هذه الرباعيّات الثماني الجديدة إلى الإيطاليّة، وقال إنّها كانت مجهولة تمامًا قبل اكتشاف آربري.
ويضيف “التّرجمة نثريّة عَمَد الناعوري أن يترجم كلَّ شطر في سطر. من الصّعب أن أحكم عليها حكمًا قاطعًا، لأنّني لا أعرف الإيطاليّة وليست لديَّ أصولها المترجمة عنها. بيد أنها، اعتمادًا على الأصلين الفارسي والإنجليزي، وعلى ما ترجم منها إلى العربيَّة من قبل، حرفيَّة دقيقة لا تخرج عن المضامين الفارسيّة، وإن جَنَحَ المترجم، قليلًا، إلى المترادفات اللفظيَّة التي فرضتها الترجمة النثريَّة. وهذا يتناغم مع رأيه في مقدمته على ترجمة عرار بأن النثر “أقدَرَ على المحافظة على نقل التعبير الأصلي، والروح، والمعاني التّفصيليَّة، والأسلوب بدقة أكثر وأمانة أوفر”. لاسيَّما أنه ترجم عن ترجمة، والترجمة عن غير الأصل تباعد، في رأيه “بين الترجمة والأصل كثيرًا”. بيد أنه أفلت من هذا.
أما ترجمة نويل عبدالأحد فيوضح د. بكار أن عبدالأحد ترجم رباعيّات الفيتزجيرالديّة الخمس والسّبعين “الطّبعة الأولى” نثرًا، وقدّم لها الأديب السّوري شفيق جبري مقدمة يحكي فيها انطباعاته عنها ويكشف عن تذوقه لها حسب. فأمّا المترجم نفسه فلم يقل عن ترجمته شيئًا، بل اكتفى، في نحو ثلاث صفحات، بالكلام على “حياة عمر الخيّام” كلامًا لا جديد فيه.
ويضيف “التّرجمة نثريّة تترجم الفيتزجيرالديّات واحدة واحدة. ألزم المترجم نفسه بأن يترجم كلّ شطر إنجليزي بسطر عربي وينتهي عنده وينتقل إلى غيره حتّى يستكمل الرّباعيّة الأصل كلّها أربعة سطور يتفاوت طولها وفقًا للمعنى الذي يحكمه. ليس سهلًا أن تُسلك التّرجمة في سلك واحد ينتظم خصائصها كافة، لأنّه يتعاور رباعيّاتها غير مستوى، وإنْ يكن النّثر أولى العوامل بتقريب مستوياتها الفنيّة، في الأقل، أو توحيدها في مستوىً واحدٍ عام يتفاوت من رباعيّة لأخرى تفاوتًا لا يكوّن حاجزًا يمكّن من تصنيفها في غير قسم وضرب. الرّباعيّات، إذًا، تتفاوت في مستوى ترجمتها؛ فيها الدّقيق الحرفي وغير الحرفي؛ وفيها ما جانبته الدّقة وما تصرف فيه المترجم كثيرًا أو قليلًا. وفيها، أخيرًا، ما وهم المترجم في ترجمة بعض ألفاظها أو المصطلحات المهمّة فيها وهمًا يؤثر على المحور ويجور على جوهر الفكرة وفلسفتها.
وعن ترجمة تيسير رزق سبول، يقول د. بكار “خيّاميّات سبول مترجم أكثرها، في ما يبدو، عن ترجمة إدوارد فيتزجيرالد الإنجليزيّة في طبعتها الأولى (لندن 1859) التي تضمّ خمسًا وسبعين (75) رباعيّة؛ فهي، إذًا، ترجمة عن ترجمة، منظومة على بحر الرّمل في قالب «مربّعات» من أربعة أبيات تبدو كأنّها من مجزوء الرّمل الرّباعي التفعيلة، وهذا نمط يختلف عن نمط الرّباعيّة المعهود الذي يتكون، مذ وجد، من بيتين في أربعة مصاريع”.
ويرى أن اللّافت في صنعة تيسير أنّه استعار لمربعاته قوالب الرّباعيّة وضروبها وإن كاد يقتصر على “الرّباعي الأعرج”. غير أنّه جنح بالرّباعيّة الثالثة عشرة (13) إلى قالب صنعه هو فنظمها على روييْن متجاوبيْن: البيتان الأوّل والثّالث على “الألف المقصورة” والثاني والأخير على “الفاء”:
املإِ الكأس حبيبي، املإِ الكأس المصفّى
ألق اليوم بعيني من نداماتٍ وخوفِ
دَعْكَ من ذكر غدٍ يأتي، غدًا حين أُوارى
أستوي في أبد الصّمت وميْتًا قبل ألفِ
وتساءل د. بكار كيف ترجم تيسير مربّعاته، بل كيف نظَمها عن ترجمة فيتزجيرالد وليس عن لغتها الأولى؟ ويضيف احتذى تيسير بفيتزجيرالد ونهج منهجه في كلّ شيء تقريبًا. فقد حَرَص، من حيثُ التشكيلُ، على أن يصبّ مربّعاته في قالب الرّباعيّة الفارسي، وأن تكون الغلبة للرّباعي الأعرج مثلما فعل فيتزجيرالد حين جعل نسبة الرّباعي الأعرج في ترجمته هي الأعلى، ولم ينظم على “الرّباعي الكامل” إلاّ ستّ (6) رباعيّات في كلّ من الطّبعتيْن الأولى (1859) والثانية (1868)، وخمسًا (5) في الخامسة والأخيرة (1879).
وكما عُني فيتزجيرالد عناية كبيرة بتفقد ترجمته تثقيفًا وتهذيبًا وتعديلًا وصقالًا نحو الأفضل والأدّق في ما يتضح من موازنة الطبعة الأولى بالطّبعتين الثانيّة والأخيرة تحديدًا، فإنّ منظومة تيسير لم تحرم من المعاودة والتّجريب، وهذا، في ما هو معروف نقديًّا، من أساسيّات ما يقتضيه الإبداع ويُطالب به المبدع.
وإذا ما جاوزنا التغيير الذي لحق بعضَ “المفردات” ودلَّ عليه صاحبُ “الشّاعر القتيل” نجد أن التيسيريّات: الثالثة والتاسعة والثالثة عشرة والسابعة عشرة والثانية والعشرين (3 و9 و13 و17 و22) هي التي امتدت إليها يد التّجريب والتّهذيب، فوفق صاحبها في بعضها وجانبه التّوفيق في بعضها الآخر.
وعن ترجمته للرباعيات يشير د. بكّار “ترجمت الرّباعيّات العشرين ترجمة معنويّة دقيقة كلّ «شطر» في «سطر» وألحقت بها أصولها الفارسيّة دون تخوّن، وحافظت على فكرة كلّ منها وبؤرتها المركزيّة التي هي عماد “فنّ الرّباعي” في مهده الأول، وليس كما فُهم بغير هذا في جلّ الترجمات العربيّة لأعداد من رباعيّات الخيّام سواء عن لغتها الأم أم غيرها. أكتفي بهذه الإضاءة، ولا أزيد عليها دراسة وتقويمًا، فذا من شأن غيري من الخيّاميين والنقّاد. حسبي أن أثبت الترجمة تاليًا:
– 1 –
قُلْ لكلّ معافًى يملك قوتَه،
ويُظِلّ رأسه عشٌ يؤيه؛ لا يخدم
أحدًا، ولا يخدمه أحد:
عشْ سعيدًا، فما أحلاه عالمك!
– 2 –
أن تقنع، كالنَّسْر، بعَظْمةٍ
خيرٌ من أن تتطفّل على موائد الآخرين،
وأن ترضى بما لديك من خبز الشّعير
خيرٌ من أن تتلوّث بفالوذج كلّ لئيم.
– 3 –
نحن الدُّمى والفلك هو اللاّعب؛
إنّها لحقيقةٌ وليست مجازًا!
لقد لعبنا حينًا على رقعة الوجود،
ثمّ مضينا إلى الفناء واحدًا واحدًا!
– 4 –
إنّ هذا الفلك الذي ندور فيه،
ليس سوى فانوسٍ متحرك مثلنا
الشّمس مصباحه،
ونحن صوره الحَيْرى!
– 5 –
العقل الذي يقودك إلى طريق السّعادة،
يقول لك مئة مرّة يوميًّا:
اغتنم هذه الفرصة، لأنّك
لستَ “كُراثًّا” ينمو كلّما قُصَّ!
– 6 –
سألت سمكةٌ بطّة، وهمّا في المقلاة:
أتعود المياه إلى مجراها في النهر بعد جريانها؟!
أجابت البطّة: إذا ما صرنا «كبابًا»
ما يضيرنا أن تغدو الدّنيا بحرًا أو سرابًا بعد موتنا!
– 7 –
منذ أن خُلقتُ بهذا القوام
فثمّة «فتنٌ» كثيرة جُبلت منه.
إنّني لا أستطيع أن أكون أحسن
ممّا صُوّرت فيه بقالبي هذا!
– 8 –
لا تذكر أمسِ الذي انقضى،
ولا تخشَ غدًا الذي لمّا يأتِ.
لا تأسف على ما مضى وتخف ممّا لم يأت،
اهدأ بالاً، ولا تُضعْ عمرك سدًى.
– 9 –
غلط العدو بزعمه أننّي فيلسوف،
الله وحدَه يعلم أنّني لست كما قال،
أما وقد وجدت نفسي في دنيا الغمّ هذه،
فحريٌّ بي أن أعرف من أنا!
– 10 –
ذلك القصر الذي كان يطاول السّماء،
والذي عنت على أعتابه رقاب الملوك؛
رأينا على شرفاته «قمريّة» تندب:
أين أين أين أين ساكنوه؟!
– 11 –
هذا الرّباط القديم الذي يدعى «العالم»
هو فلك الصًّبح الأبلق واللّيل الدّامس،
والمنتدى الباقي من مئة «جمشيد»
والقصر الذي كان مأوىً لمئة «بهرام»!
– 12 –
لقد جهدت في البحث عن «جام جم»
لم أهدأ نهارًا ولم أنم ليلاً.
ولمّا عرفت سرّه من الأستاذ
وجدت أنّني أنا نفسي «جام جم»!
– 13 –
رأيت طائرًا على قلعة «طوس»
أمامَه جمجمة «كيكاوس»
يخاطبها: وا أسفاه وأسفاه:
أين نذير أجراسك وقرع طبولك؟!
– 14 –
اشتريت «كوزًا» من الكوّاز يومًا،
فباح لي الكوز بهذا السّر:
لقد كنتُ ملكًا وكانت كأسي ذهبًا،
وغدوت الآن كوزًا لكلّ خمّار!!
– 15 –
لقد كان هذا الكوز عاشقًا مثلي،
وكان هائمًا بغرّة إحدى الحسان!
أمّا «عُرْوته» هذه التي تراها،
فكانت يده التي يضعها على جيد تلك المحبوبة!
– 16 –
انهض وتعال أيّها المحبوب الفاتن من أجل قلبينا،
وحُلّ بجمالك مشكلتنا،
وهاتِ معك قدحًا لنشربه،
قبل أن يجعلوا من طيننا أقداحًا!
– 17 –
كلّ ذرة من ذرّات الأرض،
ليست سوى وجه حَسناء غرّاء الجبين.
فانفض، برفقٍ، الغبار عن هذا الوجه الجميل،
فقد كان خدّ فاتنة غانية!
– 18 –
لم يجنِ الكون أيّ نفعٍ من مجيئ،
ولم يزدد جمالاً وجاهاً بذهابي.
لم تَسمع أُذناي من أحد:
ما الهدف من مجييء ومن ذهابي؟!
– 19 –
جلسنا إلى الأستاذ مدة في طفولتنا،
وفرحنا حينًا بما ثقفناه من علم؛
لكن اصغ إلى خلاصة ما انتهينا إليه:
لقد جئنا من التراب، وغدونا هباء تذروه الرّياح!
– 20 –
إذا ما واتتك الطبيعة
عش فرحًا وإنْ ظُلمت،
وعاشر العقلاء، فما بدنك إلاّ مزيج
من التراب والريح والنار والدم!
(ميدل ايست اونلاين)