سرير بنت الملك لشهلا العجيلي .. قصّ ناقد ومغاير وجريء بأسلوب عصريّ

بديعة زيدان

استطاعت الروائية والأكاديمية السورية شهلا العجيلي، الخروج بمجموعة قصصية رشيقة وعميقة بذات الوقت، في سبعين صفحة، صادرة عن منشورات الضفاف في بيروت ومنشورات الاختلاف في الجزائر، حملت اسم “سرير بنت الملك”، وترشحت من ضمن عشر مجموعات قصصية إلى القائمة الطويلة لجائزة الملتقى للقصة القصيرة في الكويت، مؤخراً.

واستهلت العجيلي مجموعتها بقصة “مذكرات حذاء سندريلا” مستحضرة فيها شخصية سندريلا التي اشتهرت عبر أفلام ومسلسلات الرسوم المتحركة العالمية، والتي لا تزال تتداولها الأجيال بنسخ متعددة رغم بنيتها الواحدة، فوظفتها بطريقة مبتكرة وكأنها سندريلا القرن الواحد والعشرين، فالشابة العشرينية العاطلة عن العمل تذهب لمقابلة عمل مرتدية حذاءها الجديد الا انها تتعرض للعديد من المواقف التي تضطر فيها لاستخدام حذائها كسلاح تدافع به عن نفسها.

مرة تنزل به على رأس شاب متحرش في الشارع، وثانية تنزل به على رأس رجل لا يعجبه منظرها لأنها غير محجبة ويستغرب من هيئتها ولبسها، وثالثة تنزل به على رأس مدير الشركة الذي يجري معها المقابلة فيتحرش بها لابتزازها مقابل قبولها في الوظيفة، فيما تضطر في حادثة رابعة لاستخدام سلاحها هذا في وجه سيدة غنية تترجل من سيارتها في الوقت الذي يضرب فيه حراسها سيدة تجلس على الرصيف تبيع الخضار في “قفف” من القش، قبل أن تمرّ من أمام قصر الحاكم، حيث يقف أمامه مجموعة من الشبان يعترضون على أمر ما، إلا أن جنود الحاكم أردوهم قتلى جميعهم، فما كان منها إلا أن خلعت حذاءها الذي تمزق من كثر استخدامه، لتقذفه تجاه الحاكم، قبل أن تتوارى في عتمة الليل هاربة.

وفي هذه القصة نقد اجتماعي وسياسي حاد من قبل العجيلي، لم يخل من جرأة لاذعة على المستويين، خالعة عباءة التقيد بالحكاية المعروفة عن سندريلا، وحذائها، لتخرج بأسلوبها الخاص ما يعبر عن حال “سندريلا” ابنة القرن الحالي.

وأكملت العجيلي ابتكاراتها مستخدمة هذه المرة شخصية “بابا نويل” (سانتا كلوز) في قصتها الثانية “ميلاد مجيد”، وما يحمل من هدايا، حيث ينتظره الأطفال من عام إلى عام، لكن أطفال فلسطين لم ينتج عن انتظارهم شيء هذه المرة، حيث إن “بابا نويل” لم يستطع الوصول اليهم بسبب جدار الفصل العنصري الذي أقامته سلطات الاحتلال الإسرائيلي، وفي هذه الحكاية رمزية عالية تؤكد العجيلي فيها رفضها للظلم والقمع والاضطهاد والعنصرية بكافة أشكالها.

واشتملت المجموعة على ثلاث وعشرين قصة، صيغت بما يمكن تسميته أسلوبا عصريا .. غالبيتها قصيرة، وبعضها قصيرة جداً في نصف صفحة، عبارة عن حكايات مكثفة للغاية أشبه بحكم، مثل “محاورات يونانية”، و”ليليت”.

ومن بين هذه القصص تلك المعنونة بـ”سرير بنت الملك” التي حملت المجموعة اسمها، وفيها تسير القصة في خطين متوازيين يفصل بينهما مئات السنين، أو ربما يفصل بينهما الخيال والواقعية، مثل ما فعلت العجيلي وفصلت بينهما بحجم الخط في الكتابة فالحكاية الخرافية أو ربما التي حدثت في قديم الزمان تتمحور حول تلك العرافة التي أخبرت الملك أن ابنته الوحيدة ستموت بلدغة عقرب، فأمر الملك ببناء سرير معلق في الهواء على ارتفاع كبير كي لا يتمكن العقرب من الوصول إليها، إلا أن هذا لم يمنع من تسلل العقرب إلى سلة فواكه يوصلها لها حراس والدها فتموت “بنت الملك”، لتبدأ العجيلي فقرة جديدة بخط مختلف تحكي لنا قصة عاشق الكاتبة في زمن وسائل التواصل الاجتماعي (السوشال ميديا)، والذي قرر مقاطعة أخبارها وابتعاده عن كل ما يتعلق بهذه الوسائل، وليبتعد أيضاً عن أماكن تواجد معشوقته، إلا أنه يشتري طعاما لف بورق جريدة كتب فيها حكاية عنوانها “سرير بنت الملك” موقعة باسم الكاتبة التي قررت مقاطعتها، في إشارة إلى أن “المكتوب ما منه مهروب”، كما يقول المثل الشعبي.

وقالت شهلا العجيلي: كتبت قصص هذه المجموعة (سرير بنت الملك) على مدار سنوات، قد تعود أقدمها إلى العام 2008، وبعد أن تجمّعت لديّ قصص كثيرة، قرّرت اختيار هذه الثلاث والعشرين قصّة، وجدتها دالّة على أسلوبي الشخصيّ في الكتابة، إذ تعتمد البنية الحكائيّة التي تذهب إلى القصّ التقليديّ مرّة، ومرّة تجنح إلى التجريب.

وأضافت في رد على سؤال لـ”أيام الثقافة”: توظيف الشخصيّات التي تسمّى العجيبة، وحرفها عن حكايتها التقليديّة هو نوع من التجريب، وله جماليّته الخاصّة إذ يمنح الشعور بالألفة، ويحقّق مفارقة قويّة وناقدة حينما يوظّف في غير ما استعمل له، وهو يوفّر بنية حكائيّة مقتصدة لأنّها ماثلة في ثقافة المتلقّي، فيساعد على التكثيف الذي هو من سمات القصّة القصيرة.

وختمت: بالنسبة لعدد الصفحات، قد يعود ذلك إلى إخراج الكتاب، من حيث حجم الخطّ، وقياس الورقة، وتصميم الصفحة، فأنا لست ممّن يذهب إلى اللعب على الإخراج، وأجد أنّ سبعين صفحة رقم مثاليّ بالنسبة لمجموعة قصص قصيرة .. المهم في الموضوع أن تتحقّق بلاغة النوع الأدبيّ، وتثبت حرفيّة القصّ، وأن يلاحظ المتلقّي أيضاً كلاًّ من التحوّلات الأسلوبيّة، والتنوّع، والثقافة التي تحملها قصص الكاتب، وأن يكون هناك روح ناظمة للمجموعة، تلك التي سمّاها الإغريق (باثيوس)، تشير إلى البصمة الشخصيّة التي تعرف باسم الأسلوب.

(الأيام الفلسطينية)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى