«لول» خالد تكريتي: جماليات الوسائط الفنية
الجسرة الثقافية الالكترونية-الحياة-
*نزار عثمان
ليس عن عبث اختار الفنان السوري خالد تكريتي عنوان «لول» لمعرضه المقام في غاليري أيام – بيروت، فالمعرض يحمل في طياته نوعاً من السخرية اللاذعة من التقليد الاجتماعي والثقافي، ليخرج بلوحة جديدة تستقل عن المسلمات البديهية للتكوين الفني التشكيلي، وتجد مساحتها في التيار المعاصر والما بعد حداثي، وليستحضر أيضاً الصورية التي ما انفكت تتشكل على انقاض أعماله السابقة مظهراً الواقع كما يعيشه، وبما فيه من تشابك للمفاهيم، ويعبر عنه خير تعبير.
يبدو أن تصور الفنان خالد تكريتي للفن مختلف بعض الشيء عما تشهده الساحة الفنية التشكيلية من معارض، لأنه رغب في تبنيه للرموز المرتكزة على عدد من الوسائط، أن يظهر موقفاً اعتراضياً وأكثر نقدية من المجتمع الاستهلاكي. أي أن الفنان ابن المجتمع خرج من بوتقته وبات يعمل على تصيير مبدأ يقابل ما هو سائد من خلال الشخصيات المطروحة على المساحات الملموسة والمرسومة. فهو ينأى بنفسه باتجاه التأويل الأسلوبي للمجتمع، واستلهام الواقع من خلال مشاهد تلميحية سعياً لتجديد الفهم الخاص بهذه الوسائط. وهو إذ يقف موقفاً مضاداً للفن اللاشكلي والتجريد نلمح في خلفياته البيضاء الفارغة من أي لون، مساحة للغوص في فضاء من اللاانتماء والتغييب يناقض ما جاء به من موقف مضاد للمفاهيم الاستهلاكية الاجتماعية السائدة في شخوصه. وكل هذا غنى للوحة التي جمعت في طياتها ذينك الموقفين من دون أي تداع أو هبوط في شرك الفوضى، بل بتناغم كلي وجمالية أخاذة.
لا تخلو جعبة الفنان تكريتي من وسائط الدعاية والإعلان ووسائل الإعلام التي يعمل وفقها، ولا يكتفي بعرضها بل يسعى إلى أن يقدم برنامجاً انتقادياً اجتماعياً بإزائها، ولا يتبلور موقفه بأخذ دور الشاهد، بل المفعل والمحرك. وقد عالج الفنان موضوعه مستخدماً سطحاً تصويرياً عبر من خلاله عن موقفه الساخر من الموضة الرائجة والمفاهيم الاستهلاكية. وهو إذ يعمل انطلاقاً من هذه الوسائل الدعائية يتكثف لديه الابتكار الكولاجي والطباعي ليظهر ذلك التباين بين عالم الإنسان وعالم الوسائط المتعددة، وغزوة تلك الوسائط للإنسان واحتلالها لذاته وهو ما يعبر عنه في لوحته «220 فولت» التي تظهر شخصية فتاة يظهر أنها فوجئت من هول الإلكترونيات القديمة، فأصبح رأسها جزءاً من الصورة، وبات مكبراً للصوت.
يظهر لدى الفنان في معرضه هذا ميل إلى رسم البورتريهات، سعياً لدمج متطلبات عملية الاستهلاك مع البعد الشخصي، في تطوير لتلك العلاقة التي باتت مترابطة ووثيقة. وضمن إطار ذلك الحوار الذي أضحى بين الذات والإنسان والوسائط المتعددة يبرز اهتمام الفنان بالجزئيات التي تبدي رغبته في عدم القراءة الفعلية والمباشرة، بل اعتماده على الرواية غير المتسلسلة أو المؤطرة بأطر تقليدية. وبهذا تأخذنا لوحات تكريتي إلى أفق آخر أبعد مما تشخصه.
يبرز اهتمام الفنان باللونين الأسود والأبيض، الأمر الذي يضفي على لوحاته طابعاً خاصاً، والذي يحيلنا إلى انزلاق الإنسان في الحياة المدينية، ويجعل لوحاته أقرب إلى الصحيفة، في نقل المعاناة أمام كائناته وأشيائه، وينقل لنا رؤيته إلى العالم والآخرين.
صوّر تكريتي أثر الوسائط أكثر من الوسائط نفسها، كي ينقل لنا صورة مشوهة، ويعيد صوغ الواقع الذي نعيشه، سواء في عمله على عزل الصورة الإنسانية الداخلية ضمن إطار موضوعي، أم في استخدام بنى تأليفية ترافقها أطياف وهمية، تساعد على التعبير عن واقع مموه بطريقة غير مباشرة قوامها التراكيب الرمزية.
يترافق المعرض مع إطلاق كتاب حول الفنان، يضم أعمالاً فنية له من 2002 حتى 2014، وأرفق الكتاب بمجموعة من المقالات التي كتبها الناقد باسكال آميل وميمنة فرحات.