الخبير العالمي للمسرح “في كواليس الورش المهرجانية” / د.مؤيد حمزة

الجسرة الثقافية الالكترونية – خاص – 

تصل الخبيرة العالمية ذات الأصول العربية، والمشاركة في المهرجان حيث تقيم في بلد أجنبي وتحمل جنسيته بعد رحلة طويلة من اللجوء. وبعد أن قضت وقتاً طويلاً أمام جهاز الكمبيوتر في مراسلة كل المهرجانات العربية – وما أكثرها- مع التركيز على الشرق العربي والأردن خاصة حيث تصف أعمالها وبطولاتها المسرحية، وكيف تعمل وتناضل في بلاد الغرب في سبيل رفع رأس العرب مسرحياً!! اقترحت المشاركة في تقديم ورشة عمل مسرحية. بعد أخذ ورد يكتشف المنسق أن الورشة مجانية وأن لا هدف للفنانة إلا خدمة آلهة المسرح الإغريقية!.. يقتنع الأخ مدير الفرقة الخاصة منظمة المهرجان “المدعوم” من وزارة الثقافة بدعوتها ليس بسبب تصديقه لادعاءاتها بل لما توفره هذه الدعوة من فرصة التفاخر بأنه دعا لمهرجانه (كما يحب أن يسميه) مواطنة أوروبية أو من شمال أميركا (خبير مسرحي عالمي)، فيدّعي بالتالي أن مهرجانه – وبقدرة قادر – قد ارتقى لمرحلة العالمية – (لاحظ توافق المصالح عزيزي القارئ).

يبدأ منسق المهرجان ومنظموه بمراسلة مجموعة من الهواة الذين يأملون بإشراكهم في الفعالية المختلقة والمقحمة على المهرجان، ويُفتح باب التسجيل مجاناً. طبعاً في دول كالأردن انكشفت حيلة ورش المهرجانات فلم يعد بالإمكان توفير من يرغب بالمشاركة في هكذا لعبة حتى من بين الهواة. يُفتتح المهرجان وتصل الضيفة “الخبيرة العالمية” حيث تبدأ بالتباهي أمام باقي الضيوف بأنها “سوف” تقدم ورشة خلاقة، وتسأل المنظمين عن أعداد المشاركين، ومكانها وخلافه،.. ولا تجد جواباً. 

تبدأ اللجنة المنظمة بإجراء اتصالاتها بكليات الفنون وأقسام المسرح حيث يقوم العميد ورئيس القسم بجمع الطلبة على عجل من أجل عيون مدير المهرجان إن كانا على علاقة جيدة ب”مهرجانه”، وإن تسنى لهما جمع بعض الطلبة في اليوم الأول فلن يتكرر هذا الحظ في اليوم التالي. إلى أن تقتنع ” الخبيرة العالمية للمسرح” أو تقنع نفسها بأن العرب ليسو أهل فن. في النهاية تقتنع الخبيرة العالمية بشهادة تشهد أنها قدمت ورشة مسرحية في أي عنوان مسرحي في الأداء التمثيلي أو الإخراج أو مطية السينوغرافيا، ودرع مهرجان بكلفة 15$. وهذا بالضبط هو هدف “الخبيرة العالمية” من تلك الورشة المجانية حيث ستستند على هذه الشهادة في إقناع مهرجانات أخرى بخبرتها العالمية المسرحية. وفعلا تجد نفس الخبيرة العالمية على رأس قائمة الضيوف في المهرجانات الرسمية التالية في البلد الذي دعيت فيه لأول مرة، ومن ثم تتمدد إلى ما جاورها من بلدان. 

وهكذا لا تستغرب أخي الأكاديمي إن تلقيت اتصالاً من أمثال خبيرتنا العالمية تعرض عليك أن تستقدمها جامعتكم لتقدم لكم ورشة مسرحية للأساتذة قبل الطلبة، وكأنكم طوال تاريخ القسم كنتم تعلمون الطلبة فن الطبخ بدلاً من الأداء التمثيلي! أنا شخصياً تلقيت أكثر من إتصال من هذا النوع.

هذا النوع من الخبراء العالميين للمسرح أصبح مطلوباً ومرغوباً به بشدة عند غالبية “أصحاب” المهرجانات الذين يرغبون بتقديم أنفسهم كمطورين للمهرجان وأنهم ارتقوا به إلى مرحلة العالمية. وكيف لا؟ فقد قامت اللجنة المنظمة بدعوة “اللاجئ” الذي تحول بفعل اقتناص الفرصة المناسبة إلى مواطن غربي – على سبيل المثال لا الحصر ألماني أو سويدي أو إيطالي أو كندي أو نمساوي”- لا يهم المهم “عالمي”. 

وهكذا صارت دعوة شخص واحد كافية لإطلاق وصف عالمية على أية فعالية في عالم المهرجانات، ومن الممكن أن تطلب منه أن يجلب معه عرضاً مسرحياً يمثل البلد الغربي الذي يعيش فيه، لتفاجأ بمجموعة كبيرة من اللاجئين العرب الذين استوطنوا وتجنسوا في الغرب قرروا تشكيل وفداً مسرحياً (كندياً) – على سبيل المثال- ويقدم مسرحية سلقت سلقاً في مهرجان أردني تَقرر له فجأة أن يصبح عالمياً. وهذه الحالة ليست أردنية حصراً فقد سمعنا عن عروض مسرحية نرويجية وسويدية وألمانية وكندية وإيطالية شاركت في مهرجانات عربية عريقة وذهبت الجماهير زرافات تحلم بأن تتعرف على مسارح تلك البلدان الغربية، ربما للمرة الأولى في حياتها لتفاجأ بمسرح عراقي أو سوري أو أي من مسارح دول مجاورة لهم، ولكن بنسخة رديئة. 

فهل يمكن لأمثال هؤلاء أن يقدموا إضافة فعلية للمسرح في الوطن العربي سواء من خلال تقديم عروض أو ورش مسرحية؟.. وبمناسبة الحديث عن الورشة المسرحية التي صارت تطرح كبديل للدراسة والالتزام في مؤسسة تعليمية مسرحية ينبغي لنا هنا أن نتساءل:

ما الذي تستطيع الورشة المسرحية أن تقدمه؟ 

من الذي يمكن له أن يشارك في ورشة مسرحية؟ 

ومن القادر على الاستفادة من ورشة مسرحية؟ 

وقبل كل ذلك.. من المؤهل لأن يقدم تلك الورشة؟ 

هنا أستذكر تلك الحادثة الشهيرة عن المنظر الأول لإعداد الممثل حيث ألقى ستانسلافسكي على طلابه في الاستديو الأوبرالي الأكاديمي السؤال التالي: هل توجد الوردة بفعل الإنسان أم بفعل الطبيعة؟ اختلف الطلاب في الإجابة، فبعضهم أكد أن هناك زهور برية، لكنها ليست الوردة، – آخرون أكدوا أن الوردة أيضاً من فعل الطبيعة مثل أية زهرة برية. بدوره ستانسلافسكي أجاب بأن السؤال استفزازي.. فالوردة بالطبع ما كانت لتظهر في الطبيعة، وهي من فعل الإنسان لكنه لم يصنعها بطريقته الخاصة، بل تبعاً لقوانين الطبيعة ذاتها. هنا يكمن سر إبداعنا،- يقول ستانسلافسكي. 

مثل هذه العملية لا يمكن أن تتم بأي حال من الأحوال في يوم أو أسبوع أو حتى أسبوعين كما نشاهد وشاهدنا في الكثير من الورش المسرحية في عالمنا العربي، حيث الجهل التام بمناهج الأداء التمثيلي وأساليب تربية الممثل المسرحي التي تساعده على أن تنمو أدواته نمواً طبيعاً بعيداً عن التصنع، وعن إغتصاب مشاعره الفنية.  

وبسبب هذا الجهل بالتحديد يقوم “الورشي” عادة بتقديم خدعة حقيقية من خلال تقديم مجموعة من التمارين لطلاب الورشة، ثم المباشرة بإعداد عرض مسرحي لفكرة معدة مسبقاً، يمكن للورشي الذكي أن يقنع الطلبة بأنهم هم الذين قاموا بارتجالها، وبالتالي يدعو الجمهور لمشاهدة نتاج الورشة. وهذا الأمر لا يمكن بأي حال من الأحوال أن يطلق عليه أي وصف غير السلق السريع، أو الفهلوة. وهناك الكثير من الأمثلة التي نشاهدها كلنا، ونقرر أن نصمت تجاهها.

فهذا يقود ورشة مسرحية يطلب من الطلبة والطالبات الاستلقاء على ظهورهم .. يخفت الأنوار.. يشعل بعض الشموع، ويتأملوا. لا تعرف تأثير الشمعة في  ورش إعداد الممثل وكم كنت أتمنى منهم (خبراء الورش- الورشيين) أن يكتبوا لنا مقالة عن “سر الشمعة”. 

آخر يطلب منهم المشي على أنغام موسيقا والتلويح بالأيدي.. ثم ما سر الحقائب في الورش المسرحية !!! هل هي لازمة بديلة للشموع مثلا!؟ مرحلة متطورة؟

وهذا يعطي مجموعة من التمارين المسرحية الجسدية التي قام بها أثناء دراسته في قسم التمثيل، أو رآها في ورش سبق له أن شارك بها. 

أما صديقنا المسرحي المخضرم ( أستاذ الأساتذة، كما يحب أن يسموه) فيقوم بتلقين الطلبة مجموعة من الشعارات في ورشة كتابة مسرحية ويطرح مشروعاً لورشته بعنوان : “مدخل لورشة كتابة المسرحية وتطبيقاتها في المدارس المسرحية”، حيث يقوم بتأطير إبداعات كتاب عالميين بوصف محدد ضيق – فشكسبير وشيللر وهيجو مجرد رومنتيكيين عنده، ويختصر إبداعات تشيخوف السابقة لزمانها بمجرد وصف الواقعية الرمزية، وهكذا دواليك يمر سريعاً ملقياً بالأوصاف (المحددة بشكل ضيق) على كتاب مسرحيين شكلوا نقاط تحول في تاريخ المسرح العالمي. بهذه البساطة يقوم بتأطير إبداعات اخترقت حدود الزمان والمكان الذي كتبت فيه، ولهذا السبب بالتحديد اعتبرت تراثاً إنسانياً عالمياً. هذا النموذج من التلقين – الذي تُقتل به الأكاديميات- يقدمه “أستاذ دكتور” أشرف على عشرات رسائل الدراسات العليا، ويقرر الآن أن يصبح (ورشياً) أيضاً لينقل خبرته في التلقين إلى خلف الحدود. ولم لا؟ فهو صاحب تأثير كبير على الكثير من المسرحيين، وخرَّج أجيالاً من مسرحيي الشرق الذين يتحدثون عن الفرق بين (مسرح العبث ومسرح اللامعقول!!!)، ولا حياة لمن تنادي، ولا مجال لإقناعهم بغير ذلك.!!!     

هناك استسهال في طرح البعض لأنفسهم كخبراء بالورش المسرحية، في ظل الطلب المتزايد عليها. حيث يتزايد في المقابل عدد من يستسهل طرح بديل لتدريس المسرح والتمثيل يتمثل في الورش المسرحية. ولهذا السبب بالتحديد نحن لم نستغرب كثيراً عندما رأينا طالب سنة أولى في قسم التمثيل عاد إلى بلده المجاور بعد الانتهاء من دراسة السنة الأولى في المعهد، ليقدم في بلده ورشة مسرحية.. انشغلت الصحافة بتغطيتها. 

هناك فرق بين أن تكون ممثلاً، أو أن تكون مربي ممثل قادر على أن تقدم له ما يكسبه المزيد من المهارات التي تؤثر إيجاباً على أدائه التمثيلي وتطوره.  

فليس كل من درس التمثيل دراسة أكاديمية مؤهل لتدريس التمثيل. فهذا مجال آخر، حيث لا يتم إعداد طالب التمثيل في الأكاديميات المسرحية ليصبح مختصاً في ِإعداد الممثل بل يتم إعداده ليُمثل. وكذلك الحال لدارس فن الإخراج.  لهذا السبب نجد السادة والسيدات الذين يطرحون أنفسهم كخبراء في الورش المسرحية “ورشيين” ينزعون دائما لتقديم تمارين منسوخة نسخاً دون أن يكلف “الورشي” نفسه عناء طرح تساؤل لماذا يقدمها بهذا الشكل، وفي أية مرحلة ينبغي له أن يقدم كل تمرين، وهل يقدمها فوراً أم لابد من أن يسبقها تمارين أخرى تمهد لها؟ وهل هذه التمارين غاية في حد ذاتها؟ أم يفترض بها أن تمهد لتمارين أخرى من أجل الوصول لهدف ما؟ وما هو هذا الهدف؟

وحده المختص بإعداد الممثل، الذي بحث في مناهج ومدارس التمثيل واختبرها نظرياً وعملياً يستطيع أن يحدد نوعية التمرين المناسب للمشاركين، ومتى يقدمه، والمرحلة التي ينبغي له أن يبدأ منها في تعامله مع كل مجموعة، تبعاً لمستوى وحالة المشاركين، وتبعاً للمنهج الذي سيتبعه المربي المختص في إعداد المشاركين في الدروس التي يقدمها. 

في المقابل، نشهد استخدام خليط من التمارين غير المتجانسة سمع عنها أو رآها أو قام بها “الخبير- الورشي” القائم على الورشة دون أي اعتبار لمنهج واضح أو خطة تدريسية واضحة المعالم. أو حتى مراعاة المستوى الفني للمشاركين في الدورة. فهذا يعيد صياغة تسمية الورشة ذاتها حسب الطلب ويقدمها في تسميات كثيرة تبعاً للمكان والزمان والمناسبة، بعد أن رسخته مجموعة كبيرة من الصحافيين المريدين على أنه الممثل الشرعي المايرهولدي في الوطن العربي، وذاك قرر أن يختطف غروتوفسكي لأنه رآه مرة في حياته، وأولئك سمعا عن استخدام رودلف شتاينر للصوت ومحاولاته خلق صور حية منه ومن الموسيقا. فلم يكتفيا باختلاق عرض لا ينتهي يعكس مفهومها لمبادئه في ال ( Eurythmia ) بل وتطور بهما الأمر لأن يطرحا نفسيهما “كورشيين”، وأيضاً تصاغ تسمية الورشة حسب الطلب، وتبعاً للظرف.. فمادام المهرجان طقسياً فلنقدم لهم إذاً ورشة بعنوان طقسية الصوت!!! ودون مجرد الإشارة للخلفية النظرية التي انطلقا منها وكأن رودلف شتاينر وتجاربه كشفاً حصرياً وسرياً لهما. 

قد يتساءل القارئ محتجاً:

ولكن حتى في الغرب هناك ورش عمل مسرحية ويتقدم لها مشاركون وبعضها أنتج فنانين كبار. بل وقد يستشهدوا بأسماء لمسرحيين عظام عُرفوا من خلال ورشهم المسرحية وأنتجوا فنانين كبار في هوليوود، مثل مايسنر وكان من أبرز تلاميذه ( توم كروز، سيدني بوللوك وغيرهم) ولي ستراسبرغ الذي أنتجت ورشته (مارلين مونرو وأل باتشينو وغيرهم) وقبل ذلك ميخائيل تشيخوف الذي أحدث نقلة نوعية في الأداء التمثيلي في هوليوود من خلال ورشه المسرحية. بالطبع لا يسعنا إلا أن نتفق مع هذا الرأي.. ولكن ما طبيعة تلك الورش؟ 

ففي تلك الورش لا يشارك هواة يفتقدون لأية خبرة مسرحية، بل ويخضع المشاركين بها لاختبارات قبول أصعب بكثير من تلك التي تؤهل للدخول في أقسام التمثيل المسرحي، وعادة ما يرفض دخول صغار السن فيها بل وكثيراً ما يشارك بها ممثلون معروفون يسعون لتطوير تكنيك الأداء التمثيلي عندهم، ويشارك بها أحياناً الممثل المحترف من أجل تطوير تكنيك معين لدور معين. وتختلف تلك الورش المسرحية التي تقدم هناك تبعاً للفئة الموجهة لها. هناك ورش مسرحية للأساتذة الذين يدرسون التمثيل، وأخرى لطلبة التمثيل، كما وتعقد ورش لممثلي السينما أو التلفزيون أو مسرح الأوبرا وطبعاً الباليه، وكلها تقدم تقنيات محددة لممثلي هذه الفنون الذين يسعون لتطوير قدراتهم واكتساب مهارات جديدة، ولا تعقد لمجموعة هواة بعضهم لم يشاهد عرضاً مسرحياً قط. 

كما ولا تنعقد الورش المسرحية بهذا الشكل الذي يتم عندنا، ولا تسعى أبداً لتقديم ما يحب منظمو الورش أن يسموه نتاج الورشة!!! فالهدف ليس تقديم عرضاً مسرحياً ولا استعراض نتيجة وهمية، بل اكتساب مهارات جديدة للمشارك لم يكن يمتلكها من قبل، تضاف بدورها إلى ما يمتلكه الممثل مسبقاً من مهارات. ولا تكون مدة الدورة أسبوع أو أسبوعين ولا ساعتين كما رأينا في أحد المهرجانات، بل تستمر أحياناً لأشهر وأحياناً لسنتين. وهناك ورشاً مسرحية متخصصة جداً موجهة للخبراء. على سبيل المثال في ورشة الأساتذة للتمثيل المسرحي تقدم عادة مجموعة من التمارين التي يمكن أن يستخدمها المربي المسرحي (أستاذ التمثيل) في تنمية الخيال أو الذاكرة الصورية والسمعية عند الممثل – الطالب، أو التركيز والانتباه، وغيرها. تكون هذه التمارين مبتكرة بناء على أبحاث جديدة استفادت من علوم أخرى (الفيسيولوجيا على سبيل المثال) .. في هذه الحالة من الممكن أن تكون مدة الدورة قصيرة لأسبوع أو أسبوعين. أما أن تقدم ورشة مسرحية لمبتدئ في هذه المدة القصيرة فهذا أمر عبثي ومثير للسخرية بالنسبة للمختصين في تربية الممثل. 

نعرف جميعا أن الهدف في نهاية الأمر مادي بحت، وإن ابتدأ بالمجان ففي سبيل صنع الخبرة المزعومة لا غير، أو لتحصيل دعم من جهات أخرى- أحياناً تكون خارجية. شخصياً لا أعتقد أن الفنان المسرحي لا ينبغي له أن يعتاش من فنه، بل على العكس من ذلك أنا أدعو لأن يحترف المسرحي المسرح، ولكن الطريق الشرعي إلى ذلك يتمثل بفتح شباك التذاكر، قبل ذلك بالطبع عليه أن يقدم فناً يقنع به المشاهد بأن يأتي إلى المسرح ويدفع ثمن تذكرة. عزيزي المسرحي الورشي، تعرف أنك بالكاد تستطيع أن تقنع أصدقاءك بحضور عرضك المسرحي بالمجان، ليندموا بعد ذلك على ما أهدروه من مصاريف النقل، فكيف تقنعنا بعد ذلك بأنك قادر على تقديم ورشة عمل مسرحية؟!!   

لا يمكن للورشة المسرحية أن تخدم المبتدئ الهاوي في التمثيل المسرحي فهذا بحاجة لدراسة وتأهيل مسرحي على الجانب العملي والنظري مع وجود الموهبة وبعد اجتيازه لاختبار القبول. أما الادعاء بإمكانية استفادته من ورش مسرحية، أو أنه يستطيع أن يستغني عن الدراسة فهو ادعاء باطل. 

بإمكان الهاوي الذي لم يحصل على فرصة الدراسة في معهد مسرحي، أن يثقف نفسه ليس عملياً فقط من خلال مثل تلك الورش المسرحية عند أمثال الورشيين الذين سقنا أمثلة على عملهم، بل ونظرياً كذلك، فيقرأ في تاريخ المسرح لينهل منه مسارات تطور الفن المسرحي على مستوى الشكل والمضمون ويغني ثقافته التي ستكون منهل إبداعاته المستقبلية، بالإضافة إلى قراءة النصوص الدرامية المسرحية، وتعلم القراءة التحليلية كممثل ومخرج وليس كأديب يتعامل مع النص كأدب، بل كمادة خام تحوي أوراحاً تتفاعل داخلياً، وأفعالاً خارجية، وحركة مشهدية. ببساطة عليه أن يعرف كيف يتذوق الدراما.. وليعلم بأن طريقه سيكون صعباً وشاقاً ولكن ثمار جهوده ستكون أكثر لذة إن أثمرت جهوده. 

يحدثنا التاريخ عن الكثير من الفنانين الذين خاضوا تجارب كثيرة بنجاحاتها وإخفاقاتها ليصلوا إلى ما وصلوا إليه. ستانسلافسكي نفسه خاض مثل تلك التجارب، وكثيراً ما تحدث عن إخفاقاته وإحباطاته في مسيرته الفنية، وكيف أنه حاول أن يدرس في مدرسة مسرحية كانت كفيلة بأن تغرقه في التلقين وتغتصب روحه ومواهبه، ليهجرها بعد أسبوع ويقرر أن يخوض غمار تجارب كثيرة استمرت لعقود. قبل أن يبلور منهجه المسرحي، والذي أراد من خلاله أن يختصر المسافة على من يأتي من بعده. وهذا بالتحديد هو أفضل ما يمكن لأية مدرسة مسرحية أن تفعله: أن تختصر الزمن والمسافة على المتدرب فتقدم له من العلم والخبرة والتجربة ما يوفر عليه خبرة وتجارب كان يمكن أن يقضي سنين طويلة ليتجاوزها. فهل هذا ما تقوم به المعاهد المسرحية؟ عن هذا الموضوع يمكن أن نخصص دراسات ومقالات لاحقة.

ثقافتك وحدها هي التي ستحدد لك معايير صدق أية ورشة مسرحية أو “ورشي” يقدم نفسه كخبير عالمي. وحدها ثقافتك هي التي تضع حداً لكل أوجه الزيف في الفن عامة، والمسرح تحديداً.

فورشة العمل المسرحية لا ينبغي لها أن توجه لمجموعة من الطلبة أو الشباب في سن المراهقة، أو حتى الهواة حديثي الخبرة، هؤلاء بحاجة إلى منشط مسرحي، ضمن برنامج نشاطات محدد الأهداف ترعاه مؤسسات ثقافية أو مدارس أو جامعات. أما الورش المسرحية فينبغي لها أن توجه لمن يمتلكون مهارات الأداء المسرحي ولكنهم يسعون لإبرازها أو تشذيبها، واكتساب مهارات جديدة.. وتحديداً للمحترفين من أجل إكسابهم ما يفيدهم في حرفتهم. رأينا أمثلة مشرقة لورش مسرحية تم فيها تبادل خبرات في مجال مسرح الدمى مثلا، وورش أخرى أخرى وجهت للمدرسين والمنشطين المدرسيين من أجل إكسابهم بعض الخبرات والتمارين التي يمكنهم أن يستعينوا بها في عملهم مع الطلبة والهواة في النشاطات التي يقودونها.. هذا النوع من الورش المسرحية يكون له مردود بعيد ولا نظن أحداً سيتقدم في نهاية الورشة بعد أسبوع أو أسبوعين من العمل ليقول أين نتاج الورشة؟ 

النتيجة تجدها في المجتمع وفي مستوى الجمهور المسرحي وذائقته الفنية على المستوى البعيد.

 

drmoayyad@yahoo.com

 

 

 

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى