سيرة عبدالعزيز ناصر بقلمه

إلى الحالمين بعالم أفضل

من حديث أمّه “مدرسة الحب الأولى في حياته” و”البيت العود” و”فريج الجسرة” ونزق الطفولة والصبا وعنفوان الشباب، مرورًا باللحن الأول، والغوص في لجج التراث الاجتماعي والثقافي، إلى رحلة العلم والكسب المعرفي، ومحاولات الإجابة عن أسئلة: المرأة ومكابدة الحب والأسفار والحنين إلى الدوحة، والتفاعل مع قضايا الأمة والتغني بها، إلى إنسانية الفن ورسالته، إلى رحابة الدين ومحبة المولى عز وجل، والتأمل في آياته وقرآنه.. يصحبنا الموسيقار الراحل عبدالعزيز ناصر في رحلة مبدعة وملهمة عبر سيرته الذاتية والإبداعية التي خطها بقلمه قبل رحيله، في 350 صفحة من القطع الكبير، وأهداها إلى الحالمين معي بعالم أفضل، والتي دشنت في احتفال كبير نظمته إدارة نادي الجسرة الثقافي الاجتماعي، في أمسية 20 مارس 2018 بمسرح عبدالعزيز ناصر بسوق واقف.

 استعرض فيها ملامح من طفولته وعلاقته بالمكان والزمان ولحظات مفصلية في تجربته في التأمل والتفكير والتأليف الموسيقي، وارتباط ذلك بمواقفه الوطنية والقومية والإنسانية.

ضم الكتاب مجموعة من الصور تعكس جانبًا من حياته منذ طفولته الباكرة.

عالم من الخبرات والمعارف والتفاصيل.. شكلت شخصيته فنانًا وإنسانًا.. سردها بصدق ومحبة، كاشفًا عن اللحظات المفصلية، والانتقالات النفسية والروحية والفكرية التي عاشها في مختلف المراحل تؤكد ارتباط التجربة الفنية عنده بالرغبة في إعمار الحياة وزيادة ثروتها من الخير والحق والجمال، لخصها بقوله:

إن إيماني بأهمية الدور الذي يلعبه الفن في التعبير عن قضايا الأمة، يقابله بالطبع إيماني بدور الفن في إرساء قيمة الجمال، ولا فصل في رأيي بين الأمرين“.

 و”أستطيع القول بأنه قد يكمن الجمال في صورة بنائه وتكوينه وما يحدثه في النفس من متعة، ولكنه لا يبلغ قمته وغاياته، من وجهة نظري إلا إذا لازم ذلك ما به من حق وخير بما ينفع الناس”.

■ مع الفنان الأستاذ لطفي بوشناق
 الفنان والحرية

في فصل بعنوان الفنان والحرية يستعرض الموسيقارعبدالعزيز ناصر رؤاه ومرجعياته النظرية وتجاربه العملية في تحقيق هذه الرؤية حول العلاقة الجوهرية بين الفن والحرية، وارتباط ذلك ببحث الإنسان والفنان الدائمين عن الحق والكرامة، إذ يقول: “لا يقوى على قول الحق إلا من يملك حريته، ومن لا يملك حريته لا ينبغي أن يصادر حرية الآخرين، فكما أن الحق لا يعيش في ظل الاستبداد والظلم، فهو لا يحيا وينتصر إلا بالحرية. فكما أن الحق لا يضمن لنفسه بلوغ أهدافه إلا في ظل الحرية، فإن الحرية أيضًا لا تأمن على نفسها من التجاوزات إلا في ظل الحق. ذلك أن الحرية التي تتجاوز الحق ولا تلتزم به، تتحول إلى نوع من الفوضى والدمار واستباحة حقوق الآخرين.”.
وحول رؤيته للتراث يقدم موقفًا فكريًا وفلسفيًا متكاملًا، يكشف للقارئ مدى تكامل الرؤى والأفكار التي قادته لتقديم معالجات رفيعة للمادة التراثية، استنهض فيها أجمل القيم في هذه الذاكرة وأخرجها إلى الفضاء العام لتتجدد وتكتب حياة جديدة وإيقاعًا معاصرًا، إذ يقول: “ينقسم المهتمون بالتراث إلى مجموعة من الفرق؛ فريق يرى بقدسية التراث، ولا يجوز المساس به تحت دعاوى التجديد أو التهذيب والتطوير، وفريق يرى بأنه لا يجوز إسباغ القدسية على التراث، فهو نتاج بشري لا يرقى إلى قدسية الكتب المقدسة، بينما يقف فريق آخر موقفًا وسطًا بين الرأيين، فيرى أن الحفاظ على التراث والإبقاء عليه كما هو أمر ضروري وهام، لا سيما كأثر دال على مرحلة من مراحل التاريخ المجسد لعطاءات ونتاج أصحاب تلك المرحلة بما لها وما عليها.”.

ويخلص إلى أن: “مكمن الخطر ليس في استخدام صاحب الرؤية لكلمة تطوير للتعبير عما أحدثه من تغيير على التراث إنما يكون في جهل من يتصدى للتراث بالتطوير والتجديد والتغيير، والأمر الذي قد يعرض التراث للمسخ والتشويه، كما أنه فرق كبير بين أن تكون لك رؤية خاصة متميزة عن التراث، تثريه وتضفي عليه أبعادًا جمالية، وأن تقدم رؤية مشوهة تتجنى بها على التراث“.

تغيير السائد

كان عبدالعزيز ناصر مدركًا أن مشروعه الإبداعي هو مشروع ثقافي متكامل يؤسس ويسهم في تغيير الذائقة إلى آفاق بعيدة بطموحات غير محدودة، وقد عبَّر عن ذلك بقوله: “سألني ذات يوم السيد محمود الشاهد، وكان مديرًا للإذاعة، عن الهدف الذي يجعلني مصرًا على دراسة الموسيقى رغم معارضة والدي؟

 فقلت له: لأسهم مع غيري من الفنانين الدارسين، المؤمنين بما أؤمن به من تغيير للمفهوم السائد عنها في المجتمع، وذلك يجعلها أداة خير في أيدي ناس خيرين تعنى بقضايا الناس وتراثهم وآمالهم وتطلعاتهم.”
وفي فصل بعنوان إنسانية الفن يقول: “الموسيقى بصفة خاصة هي لغة الوجود تتجاوز الحواجز والحدود، ولا تعترف بالفوارق بين البشر، إنها لغة الأحاسيس والمشاعر الإنسانية الرفيعة، التي لا تنتمي لجنس دون آخر، أو لطائفة أو قبيلة دون غيرها، أو أيديولوجية بعينها.

إنها في قدرتها على التأثير تتجاوز عالم الناس إلى عالم الحيوان والنبات والجماد، لكن ما ينبغي التأكيد عليه هو أن الفن الحقيقي والانسانية وجهان لعملة واحدة، فلا معني في رأيي لفن لا يحمل بين طياته جوانب إنسانية وفق قيم الحق والخير والجمال.”

مجلة الجسرة الثقافية – العدد 58 – ربيع وصيف 2021

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى