المثقفون و السلطة.. و حساباتهما / د. غازي انعيم ( تشكيلي و كاتب من الاردن )

الجسرة الثقافية الالكترونية – خاص –

   لا زالت أصابع الاتهام توجه في الوطن العربي إلى الفنانين والكتاب والإعلاميين و المفكرين والأكاديميين بأنهم منخرطون في لعبة السلطة، وأنهم بيادق على رقعة شطرنج الساسة وأنهم ( انتهازيون ) و ( أصوليون )  و ( أبواق ) يكرسون جهدهم لخدمة مصالحهم من خلال تقديم خدمات لأشخاص بعينهم في السلطة وليس للوطن والأمة… نعم هكذا… يتهم الشارع العربي وكذلك الأجيال الجديدة.. المبدعين من كافة الأجناس… ولا تستثني أصابع الاتهام أحداً ما دام التستر على الأخطاء وعلى الفساد الثقافي سائداً .. وما دام هناك من يدعم الفساد الثقافي من خلال أشخاص موجودين على رأس مؤسسات رسمية تعمل على إقصاء المؤسسات الثقافية من المشهد الثقافي.. كما أنها منخرطة في الفساد الثقافي… وهذا للأسف بدا يستشري بعد ( الربيع العربي ) حيث استأثر بشكل كامل  ( السياسي ) بالحكم، وأقصى ( المبدع والمثقف … ) وادعى كما كان يدعي سابقا انه له الحق وحده أن يفكر نيابة عن الأمة وعن المثقفين.

   وهنا استأثرت الجهة الحاكمة بالمهمتين ( السياسية ) و ( الثقافية ) معاً.. واعتقلت من خلال ما يسمى بـ ( وزارات الثقافة ) و ( مؤسساتها الإعلامية ) الفكر والعقل المعارض لاجتهاداتها المعطلة للتنمية الثقافية والمعطلة لكل توجه راع للتشجيع والإبداع.. حتى أن أكثرية وزارات الثقافة العربية منحت نفسها من خلال منصب ( الوزير ) وطاقمه… حق التفكير نيابة عن المثقفين والفنانين ولم تفرق بين ( وظيفة السياسة ) و ( وظيفة المعرفة ) و ( وظيفة الجباية ) ولم تسمح بأي تعاون خلاق بين الوظيفة الأولى والثانية بعيداً عن منطق ( التابع ) و ( المتبوع )..

    وهذه الرؤية لدى أكثرية وزارات الثقافة العربية فرضت سلطة فوقية على النص والخطاب الثقافي وعلى المثقفين العرب وعلى مؤسساتهم التطوعية .. وهذا جعل المثقف العربي يدفع ضريبة الحرية، فالمجتمع ينتظر من المثقف والمبدع أن يقوم بأدوار فاعلة، كما ينتظر منه أن يحققها لأن ثمة علاقة وثيقة بين ( فعل الكتابة ) و ( الفعل الاجتماعي ).

   إن فرض الوصاية على المثقفين العرب وتغييب أدوارهم وإقصائهم وعدم مشاركتهم بالقرار الثقافي فيه هدر وتطاول على الديمقراطية والرأي الآخر واحتكار للموقف وكأن الوطن حكر على فئة معينة وهذا يضعنا أمام أيديولوجيا واحدة في الوطن العربي تسعى إلى تبرير مصالحها وتستعمل الثقافة وبعض المثقفين ووسائل الإعلام التي تقع تحت هيمنتها – كوسائل لهذا التبرير – وان السلطة تريد خطابا ثقافيا غير مكلف مادياً ومنسجماً مع خطابها السياسي.. وهذا هو مأزق وزارات الثقافة العربية أو الإيديولوجيات العربية لأنها لا تملك تصوراً واضحاً للمستقبل العربي.. والدليل على ذلك؛ قلة ميزانيات تلك الوزارات مما يجعلها غير منتجة للثقافة وهذه الميزانيات تدل بالدليل القاطع أن الثقافة تأتي في آخر سلم أولويات الحكومات العربية… وهذا لا ينفي أن هناك عدداً غير قليل من الفنانين والمبدعين والمفكرين والمثقفين العرب يرفضون تدجينهم أو تهميش أقلامهم، أو احتوائهم داخل بوتقات ( أيديولوجية ) قطيعيه.

    إن انتماء الفنان والمبدع والكاتب والمثقف إلى مؤسسته الثقافية وإلى القوى الاجتماعية الحية المناهضة للاستغلال وقمع الحريات هو انتماء للمستقبل ومشروع الحلم.

ـ فإلى متى يبقى المبدع يمارس الشتائم والنميمة والنقد الذليل الخائف سراً … ويمدح صاحب القرار علنا؟

ـ إلى متى يبقى المبدع محشورا في صومعته ويعيش في حالة الإحباط والمواقف المضطربة أو الهجرة خارج ساحة الصراع ويتأرجح بين الحلول الفردية والتخلي عن الدور الطليعي معترفاً بالأمر الواقع ويقف دور المتفرج واضعاً قدماً هنا وقدماً في الجانب الآخر.. وهكذا تتم خيانة الواقع؟

ـ إلى متى يبقى المبدع يتستر على الخطأ مقابل فتات هنا وهناك وهو يعرف انه خطأ؟

ـ إلى متى يبقى المبدع والكاتب والمثقف يمارس رقابة ذاتية على إبداعه ولا يتجاوز الخطوط الحمراء؟

ـ إلى متى يبقى المثقف مضطهداً ومهمشاً ومعزولاً ولا يطالب بحقوقه؟

ـ إلى متى يبقى المبدع مدجناً؟

   أخيراً إن المثقف المنتمي لوطنه وأمته لا بد أن يخرج عن صمته ويساهم في تعرية كل شيء دون مهادنة لأن السكوت على الخطأ هو نوع من التواطؤ مع ما هو قائم ومطلوب أن يستمر.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى