قراءة في المجموعة الشعرية “مزلاج الأنوثة” للشاعر الفلسطيني يوسف الديك / صابرين ع.ف ( فلسطين )

الجسرة الثقافية الالكترونية – خاص – 

 

راخية العود عُجنت من كافور الحرف وسلسبيل الكلمات..لحنٌ يُرنّم في محاريب الشعر هي أنثى الطين.. في قصائد أ.يوسف الديك يقف القارئ عند نقطة محورية وهي تقاسيم القصائد التي تتغنى بالأنثى الوطن حيناً والأنثى التي جاءت من ضلع آدم امرأة من عناقيد فرحٍ وحلم..مدنٌ للحب تحملها عناوين قصائد المجموعة :عشق، حرية، ابتسام، اتقاد، شهداء، غدٌ قريب، حرد، دعابة عاشق، غناء، كيبوردية، طقوس المرمر…

مدن معطرةٌ بقهوة الغياب والحنين والوطن : شواهد، لبنان، فيروز، يا موت.. أين؟ لأنك شاعر “إلى محمود درويش”، قالت الطرقات، شامٌ وذاكرة، للصديق الذي لم يمت “لروحعاطف الفراية”..

يقدم الشاعر أ. يوسف رؤية موضوعية للذات..يوازن فيها أنا الشاعر بأنا القارئ “الآخر” وهو يتخطى الكينونة الذاتية للأنا المُجمعة أجزاء كينونتها على طبق اللغة.. حيث يمكن إدراجها تحت تجربة”ذاتية غائية” لجمعها للذاتية والصورة المغايرة لأن الشاعر يتبادل الدور مع القارئ كي يمنح القارئ فرصة أن يكون شاعراً ويبادله الدور فيقرأه بعين الشاعر أيضاً..

صوره حقيقية ملموسة من واقع التجربة تختزل الموقف الفكري تعتمد الخيال الشعري.. دلالاتها تتجلى فيها كمنظومة ثقافية غنية بالفلسفة العميقة والإدراك الحسي بما يقدمه للقارئ..

كما أن هناك إيقاع داخلي متناغم يكسب القصيدة- باعتبارها منظومة دلالية صوتية- خاصية جمع السردية النثرية والموسيقى الشعرية..فالشاعر يقابل الأشياء ببعضها بلاغياً ويموسقها أيدلوجياً كما في :

ميلادنا في موتنا

وحياتنابعد الحياة

ابتسام التي جاءت على ثلاث مراحل تستوقف الدارس لشعر أ.يوسف والقارئ ليغوص في شخصية هذا النص..ففي ابتسام 1 :هي ملهمة الشعراء تهز خاصرة الحرف ليكتبوا .. في ابتسام 2: هي الحب الأول وعذابات الشوق والهوى بكل أصالتها تنتظر وهي المضرجة بوعود الحب والنهايات السعيدة .. في ابتسام 3: تلك الكينونة المستقلة التي وضحت معالم طلاوتها وغيرتها المرأة المعشوقة والمرأة الوطن..

في قصيدته “دعابة عاشق” يستخدم  اللهجة العامية مقرباً الوظيفة الدلالية بصورة بسيطة ومحببة :

لكن سأريحك من نزقي

“حلي عن قلبي”..ودعيني

السيدة فيروز التي لها نكهة البدايات والترانيم الدافئة وقهوة الصباح لها نصيبها من قلب الشاعر فقد حكت وطنه فلسطين “أنا لا أنساكِ فلسطين” فرد عليها نزار “من أين العودة فيروز..والعودة تحتاج لمدفع..والمدفع يلزمه كفٌ والكف يحتاج لإصبع..والإصبع ملتذٌ لاهٍ في دبر الشعب له مرتع؟!” ورد تميم البرغوثي على فيروز ونزار “عفواً فيروز ونزار فالحال الآن هو الأفظع..كنا بالأمس لنا وطنٌ أجراس العود له تقرع..ما عاد الآن لنا جرسٌ في الأرض ولا حتى إصبع”

أما الشاعر يوسف الديك فيأتي رده لفيروز كله أمل بأن القادم أجمل في قصيدته “فيروز”:

فيروز ستبقى عنوان القدس,جواز مرورٍ للفجر

بطاقتنا الشخصية إذ ننسى حقائبنا

فيروز..شهادة ميلادي قبل الميلاد

فيروز..شهادة ملكية أرضي في “حيفا”

فيروز.. هوية أمة!!! 

 

للقضايا التي تحتاج معالجة يقف بالمرصاد كما في قصيدة”فيسبوك” والتي تتمحور حول الأخطاء التي ترتكبها وفود الكاتبات والشعراء وذوي الألقاب الملمعة وحصاد حرفهم بلا ثمرٍ أو حتى فكرة ناضجة..بل أخطاء لغوية عقت حروفهم التي بالتأكيد لم تجلب لهم ألقاب الشعراء والكتاب بل هي سمات أخرى :

وحرباً مع الطارئين على الشعر

بلا أي معنى…

وهم يرفعون المثنى بياءٍ

وقد يجزمون بلا حذف علةٍ…

صوره تحمل بصمة متفردة  ويظهر فيها التنوع الشعري من شعر وطني وإنساني وحتى التهكمية التي تعالج قضايا اجتماعية كما في قصيدة “زلزال”:

ويحه ريختر

لو أدرك سر الطبقات بخديك

وسطوة عينيكِ

وما في جيدك من أهوالٍ..!!

لتنازل عن مقياسه طوعاً…

يقول أنسي الحاج بخصوص قصيدة النثر: “لتكون قصيدة النثر قصيدة حقاً لا قطعة نثر فنية,أو محملة بالشعر, شروط ثلاثة:الإيجاز والتوهج والمجانية” وهذا ما ينطبق على هذه المجموعة الشعرية بكل تجلياتها..

“مزلاج الأنوثة” مجموعة شعرية صادرة عن دار فضاءات الأردن طبعة أولى 2014

الشاعر والروائي يوسف الديك من مواليد فلسطين “عاش طفولته وتلقى تعليمه الأساسي والجامعي في الأردن ويحمل الجنسية الأردنية” عضو في رابطة الكتاب الأردنيين وعضو الإتحاد العام للأدباء والكتاب العرب وعضو اتحاد كتاب وأدباء الإمارات..صدر له أربع مجموعات شعرية: “طقوس النار”..”شعراء من بلاد الشام”..”تفاصيل صغيرة على نحاس القلب”..”مزلاج الأنوثة” ورواية ” تنهيدة الأسى”..

 

 

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى