بيني وبينك.. يوميّات من غزّة
- بيني وبينك.. الصّبرُ دواء - 2024-11-13
- بيني وبينك.. خُبزٌ ودَم - 2024-09-18
- بيني وبينك …. الوطنُ الذّبيحُ - 2024-08-27
«لا أعرفُ ماذا أقول. أنا لم أكتبْ سطرًا واحِدًا في حياتي. لكنْ يُمكن أنْ أقول إنّ الخوف أكلَ جماجِمَنا من الدّاخل. هل تعرف كيفَ يأكل الخوف الجمجمة؟! لا أستطيع أنْ أقولَ شيئًا آخر» .
«وجدتُ نفسي وسط النار والمعركة. حريقٌ التهمَ بيتي بالكامل وفي داخله ثلاثةٌ من أطفالي، احترقوا أحياء، لا زلتُ أسمعُ صوتَ صَرَخاتهم في أُذني، أنا لا أريدُ أنْ أبقى في هذا المستشفى ولا أريدُ أنْ أعيشَ يومًا آخَر، لماذا لم أحترق معهم؟!».
«أنا أريدُ أنْ أكتبَ وصيّتي، أشعرُ أنّ الموت قريبٌ جدًّا. أعتذر؛ ففي الحقيقة لا مسافة بيننا ألبتّة. الموتُ يتسلّل إلى مهاجِعنا، إلى أَسِرّتنا، يدخل كالنّمل تحتَ جلودنا، إنّه معنا. لا يُمكن الإفلات منه، ولكنّني أتمنّى أنْ يأتيَ سريعًا، فقد تعبْتُ من توقّعه دون أنْ يأتي. أليسَ عنده رحمة، فَلْيصدُقْ مرّة واحدة ويقضِ علينا؟!» .
«منذُ أسبوع لم أنمْ ساعةً واحدة. انتفختْ عُيوني من قلة النّوم حتّى صارتْ كالجَمَل، كلّ ما أتمنّاه أن أضع رأسي على البلاط وأنام، أحرامٌ عَلَيّ أنْ أهنأ بنومٍ لساعةٍ دون أنْ يوقظني الخوف والقصف؟! الشّوارع الّتي خارج بيتي المُهدّم خالية، أنا وحدي في البيت لم أستطعْ أنْ أخرجَ منه، ظلامٌ في ظلام، لا أسمعُ إلاّ صوتَ الزّنانات، إنّها غير قادرةٍ على اكتشاف مكاني وهذا أسوأ ما في الأمر. في اليوم العاشر رأيتُ من خلال الشّقوق رجالَ الدّفاع المدنيّ، خلّصوني من بين أشداق الموت وجاؤوا بي إلى هنا. لو انتظروا يومًا آخَر لما كانوا مُضطرّين إلى فِعل ذلك، ولكُنْتُ ارتحتُ من هذا العذاب» .
«أتمنّى شيئًا واحِدًا، أنْ أنام رُبع ساعة دون تعب أو جوع أو قصف، هل هذا كثير؟! أنتَ أيّها المُسعف الأحمق: لماذا تُرِيدُنا أنْ نكتب؟! ما فائدة أنْ نقول لمن ذبحونا: لقد كنتم رائعين في ذبحنا، إنّكم لم تُبقوا مِنّا أحدًا ليروي ما حدث؟!» .
«كنتُ أمرّ في شارعٍ قريبٍ من مدرسةٍ للإيواء. كانتْ هناك عائلة مُكوّنة من أبٍ وأمّ وأربعة أطفال. كانوا لا يلبسون إلاّ ثيابًا خفيفة. كانوا يتجمّعون مُتعانِقين من أجلِ أنْ يُخفِّفوا عن أنفسهم بعضَ البرد بِتَلاصُق أجسادهم. اليومَ مررتُ عليهم، فوجدتُ الأب والأمّ وثلاثة أطفال. سألتُهم عن الرّابع؟ فقالوا إنّه ماتَ من البرد!!» .
«أنا أب، وتلكَ لعنتي، هل تعرفُ معنى أنْ تكونَ أبًا؟! ابنتي تنظر إلَيّ وهي تصرخ: أنا جائِعة، ماذا أفعل لها؟ فكّرْتُ أنْ أقطعَ جُزءًا من لحمي وأشويه لها ثُمّ أُطعمُها إيّاه. لم يمنعني من ذلك إلاّ أنّني لا أملك حطبًا من أجل أنْ أوقدَ عليه وأشوي لها جُزءًا منّي. إنّها لا تتوقّف عن البُكاء. صوتُها يذوي. أعرفُ أنّها ستموتُ أمام عينَيّ ولن أقدر على فِعْلِ شيءٍ لها!» .
otoom72_poet@yahoo.com
AymanOtoom@
** المصدر: جريدة”الراية”