ما بين السطور.. تأملات
- ما بين السطور..حين يمرض الصغار - 2024-09-22
- ما بين السطور.. إليها في الجنان - 2024-09-15
- ما بين السطور.. تأملات - 2024-08-25
الله في السماء نور.. وفي الدجى حبور.. الله في قلبي وفي عقلي ربيع واخضرار للأزل.. الله في روحي ضياء.. فكر منير.. مثمر.. يعطي.. يجود لي العطاء.. أنسكب في ضيائه ونوره.. إشراقة تتلوها إشراقة.. وبزوغ.. يتبعه بزوغ.. وفجر ينتظر فجرًا آخر.. وأنا أنتظر الفجر.. أنتظر الآتي.. القادم من المجهول.. ومن بين طيات الزمن.. أنتظره انتظار المشتاق.. بكل لوعة.. بكل لهفة.. وكل حب…
وقبل أن يطل ذلك النهار.. وقبل أن يهل وجهه البهي.. أراه قبل أي شيء.. ساكنًا في داخلي.. متفجرًا من حولي.. منثورًا حولي.. ومن أمامي.. ومن خلفي.. وعن جانبي.. أمانًا أراه.. يقينًا ألقاه.. وجدًا وشوقًا ألتقي به.. هو الله.. هو الذي لا تُدركه الأبصار.. ومع ذلك فإنني أراه يتلألأ ما بين أوردتي وأضلعي.. لا بالعين أبصره.. ولا باللمس أتحسسه.. لكنه جزء من بصيرتي.. من اعتقاداتي الراسخة.. من يقيني بذاتي وبكينونتي.. هو الروح وصاحبها ومعطيها.. ومستردها.. وما أنا إلا ذلك الجسد الفاني.. الذي لا يدوم.. الجسد الزائل الضعيف بقوته.. الصغير بعظمته.. ماذا أنا.. والعدم يشدني.. والفناء سمتي.. وسمة وجودي.. هكذا خلقت.. مجرد إنسان.. ضعيف.. متقاعد.. متقاعس.. حتى عن معرفة ذاتي.. تلك الذات التي لم أحاول في أي لحظة سابقة أن أبحثَ عنها.. وأن أتتبعَ آثارها.. علّي أبصرها أو أراها جلية.. واضحة.. كالشمس..
هي ذاتي.. هي أنا.. تلك التي خلقها ربي.. ورب الكون.. ومنحها كل شيء.. نعم.. الله أعطاني الحياة.. الوجود.. الجسد.. الطموح.. الإرادة.. الرغبة.. التساؤل.. المعرفة.. المحبة.. كل شيء أعطاني إياه ربي هو جزء مني.. ومن كِياني.. وصيرورتي.. ودوامي على هذه الأرض.. هي ذاتي.. جزء من ذوات الآخرين وكينونتهم.. أنسى كما ينسى الآخرون.. أفنى كما يفنى الباقون.. أشتهي.. كما يشتهون ويرغبون.. هي ذاتي حقًا.. تلك التي أذوب فيها دون إرادة.. ودون قوة.. تسحقني في أوهامها ومحطات أحلامها الواهية.. تربكني في مساراتها اللامتناهية.. أحترق بها.. وأتساقط كما تتساقط أوراق الخريف.. وترحل عن أغصانها.. أتساقط نقطة نقطة.. فوق كل السطور البيضاء الفارغة.. إلا من شخبطتي وندوب الزمن التي لا تنتهي أبدًا.. والتي ستظل تطبع لي ذاكرتي.. ما بين طيات الزمن القادم.. دون إذن مسبق مني.. ودون انتظار لتوقيعي وختمي على تلك السطور.
hissaalawadi@yahoo.com
** المصدر: جريدة “الراية”