حكايات المجالس.. السفر

في تلك الآونة غلف المجلس سكون وهدوء.. تطلع نواف ناحية بو محمد.. ثم باغته كالعادة بسؤال استفزازي.. لماذا لا تحب السفر.. نظر إليه بو محمد وقال: الظاهر إنك لا تعرف كوعك من بوعك.. أنا زرت نصف العالم.. ثم ما دخلك أنت.. أنا في كل مكان لدي ذكرى.. فقط لم أزر أمريكا الجنوبية.. ثم لا تنسى أنني أزور العالم من خلال مكتبتي العامرة بأمهات الكتب.. سأله نواف: مثل ماذا يا بو محمد؟ الشعر والدواوين والسير وكل فنون المعرفة..
سأله مرة أخرى وهل تجد الوقت؟ رد محتدًّا نعم.. وأحفظ الشعر كما أخبرتك.. سواء في الغزل أو الحكمة.. خذ عندك هذه الأبيات للإمام الشافعي.. محمد بن إدريس حيث يقول:
ولما قسا قلبي وضاقت مذاهبي
جعلت رجائي دون عفوك سلما
تعاظمني ذنبي فلما قرنته
بعفوك ربي كان عفوك أعظما

فمازلت ذا عفو عن الذنب
لم تزل تجود وتعفو منه وتكرماوالإنسان لابد وأن يوزع وقته بين الحياة العملية والتثقيف الذاتي.. أنا مثلاً وأعوذ بالله من قول أنا.. أغوص في دهاليز الأدب أقرأ الرواية وأستمتع بالمسرحيات وخاصة التاريخية.. قرأت مثلاً كل مسرحيات شكسبير وسعد الله ونوس وكل المؤلفين الخليجيين ومن العرب عشقت رائعة عبد الرحمن الشرقاوي.. وخاصة في مسرحيته الحسين ثائرًا وشهيدًا.. اسمع مني هذا المقطع يا النواف.. وشف اشلون هذا الشاعر كتب عن قيمة الكلمة.. يقول يا نواف عبد الرحمن الشرقاوي:
أتعرف معنى الكلمة؟ دخول النار على كلمة.. وقضاء الله هو الكلمة.. الكلمة لا تعرف حرمة.. زاد مذخور.. الكلمة نور.. وبعض الكلمات قبور.. بعض الكلمات قلاع شامخة يقتحم بها النبل البشري.. الكلمة فرقان بين نبي وبغي.. بالكلمة تنكشف الغمة.. الكلمة نور.. ودليل تتبعه الأمة.. عيسى ما كان سوى كلمة.. أضاء الدنيا بالكلمات.. وعلمها للصيادين.. فساروا يهدون العالم».
طبعًا هذا العمل الرائع وهذه الكلمات على لسان سيدنا الحسين.. يوم قالوا له قول فقط كلمة واحدة.. أنا أبايع يزيد ابن معاوية على الخلافة.. فكان هذا رده..
بس أنا عندي سؤال يا بو محمد.. أنت معجم وقاموس للمعرفة.. هل كتبت الشعر؟ طبعًا وأنا بو محمد.. لكن ها.. أيام زمان.. أيام الشقاوة والحب.. وين أيامنا أحلى أيام.. لكن الحين نسيت كل شيء.. تدري مشاغل الدنيا والأسرة.. وإلا زمان.. كنت فارس من فرسان الشعر.. أما شعراء ها الزمن.. فأكثرهم مع الأسف ما يعرفون كوعهم من بوعهم.. اسمع ها الأبيات: يا قلب ليش الحزن.. وليفك راح يرجع.. محد ترى ينفعك.. لو صرت طير يسجع..» وعندي دفتر كاتب فيها أشعاري والقصص القصيرة.. بس ما كنت أنشر.. لأن كل واحد يعتقد إنه نجيب محفوظ..!! والله يا بو محمد.. أنت بحر.. لا.. أنت محيط ما لك قرار.. والأهم أنك تؤنسنا وتعلمنا أشياء تفيدنا.. مهب بعض الناس.. ما يعرف كوعه من بوعه!!

** المصدر: جريدة “الشرق

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى