مرفت جمعة.. تعصر القلب بيدين ناعمتين في “ما وراء الجسد” /عبدالله الزيود ( كاتب فلسطيني مقيم في الإمارات)

الجسرة الثقافية الالكترونية – خاص – 

 

 تتقدّم مرفت جمعة في روايتها  الأولى “ما وراء الجسد” أمام عدسة المكان لتفصح عن شجرة  الحبّ–الحرام- التي أثمرت بين يديها وأورقت، فوق قبر يوسف في قلب فلسطين.

 

إن المتناول لهذه الرواية من ناحية نفسية يجد أنّ حقيقة الإنسان المتذبذب بين أنفسه المتعددة، الخائف الجريء، المتكلّم الأبكم، النادم المعتدّ بأخطائه، مستيقظ الضمير ونائمه، واضحةٌ في شخصيّة “يوسف”، يوسف الذي يشرب الحمام من الزلال على ضفاف فمه، وهو الذي أراد أن يخيط النهار ببعضه لكي يمنع مجيء الليل،والذي شدّ طرفيّ النّهار محاولًا قدر المستطاع إلا يُفلِت من يده، يده التي تنفلتُ–برغبة مخبّأة- ليكتبلـ “إيلين”عن حبه وعن أكواب الألم التي تجرّعها قبل أن يقفز عن النّهر إلى قلب إيلين، وعن التداخل المكانيّ الملموس بين جسدهوالأرض والأوراق التي قطفتها بطلة الروايةمن يدي أمه الدافئة.

الرواية الصادرة عن دار موزاييك للنشر والتوزيع جاءت مكدّسة بالذّكريات غير المرتّبة،كملابس البقجة التي أراد أن يحملها يوسف كاملةً عند عودته، تضجّ أيضًا بالشاعريّة التي ما انفكّت تفوح كلما سقطت رسالة من عين إيلين على الورق، ومن الجدير بالذّكر أن فصولها الثمانية جاءت تدفع بعضها، وتدفع القارئ للخوض أكثر في قصة الحبّ الميّت – حقيقة – منذ بداية الرواية حتى خاتمتها، الحبّ الذي عاش مئة وستةً وثمانين صفحةً دون أن يترك فسحةً للقارئ ليتنفّس، أكّد مبدأ التلاقي بين الواقعيّ  والمرجو، لقد كانت إيلين أكثر صدقًا من الرؤيا، وأوسع من كتاب يجري بين درفتين فُتِحتا على كمّ هائل من الجروح التي لا تندمل.

وإن أردنا الخوض في عملية الخلق الروائي، فإننا أمام كاتبة لديها من الأدوات ما يجعلها من كتّاب الروايةالمهمّين عربيًا إن تخلّصت–وهي قادرة على ذلك- من المبالغة في السرد الواضح في فصل الرواية الأول، حتى أنه يكاد يوقع القارئ في الملل، إلا أن هذه الكبوة سبقتْ خطواتٍ رشيقةٍ ألهبت الرواية منذ الفصل الثاني وحتى نهايتها. 

ثم إنّ البناء الروائي القائم على “العثور” على مجموعة من الأوراق مكرور ومستخدم من قبل، كالرقوق في رواية عزازيل ليوسف زيدان، ومذكرات الأرقش لميخائيل نعيمة على سبيل المثال لا الحصر، هذا البناء الروائي الذي يتماشى وروح العصر السريعة، يريح الكاتب من تعب التركيز الطويل في نص مرصوص، بل ويجزئه إلى عدة نصوص قصيرة مترابطة، ليست مبنيّةً ومتماهيةً تمامًا، إلا أنها أشبه بعقد يمرّ به خيط الرواية الرفيع الواصل بين أجزائها.

ورغم اتّكاء الرواية على ما ورد في رسائل يوسف، إلا أنني أقول: إنّ رسائله ليست إلا جزءًا من الرسالة  الممرّرة بذكاء بين طيّات الرواية، فالرسالة العظمى كانت رسالة إيلين على طول خطّ السرد في الرواية، وهذا التكنيك يذكّرني بفلسفة سقراط في التفريق بين الشيء ومحتواه، الكأس والشاي الذي في الكأس، البقجة وما تحويه، الجسد – كيس الجلد- والإنسان جوّاه، قصة الحب التي جمعت بين يوسف وإيلين، والرسائل التي شكّلتها.

 

ميرفت جمعة روائية من فلسطين، تُضيف الحبر إلى العجين وتطعمنا، تطرّز ثوب اللغة بالبساتين، وتعصر القلب بيدين ناعمتين.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى