إيفان كركلا: أبقى ابن بيئتي وأعود إلى هويتي

الجسرة الثقافية الالكترونية

 

 

جوزيت أبي تامر

 

بين زحمة المهرجانات الدوليّة تطلّ «مهرجانات أرز تنورين» في عامها الأول لتحجز لنفسها مكاناً على الخارطة الفنيّة بعملٍ مسرحيّ غنائي راقص للمخرج إيفان كركلا بعنوان «الغابة المسحورة»، يعرض في غابة أرز تنورين ليلة التاسع والعشرين من آب.

زيارة إلى غابة أرز تنورين كانت كفيلة بحسم تردد المخرج إيفان كركلا الذي يقول في حديث إلى «السفير»: «كانت الفكرة في البداية للوزير بطرس حرب وعقيلته مارلين حرب رئيسة اللجنة المنظمة للمهرجان، فتمّ الاتصال بي لأقدم عملاً يكون انطلاقة للمهرجان في عامه الأول. ترددت في البداية، لكن عندما عاينت جمال الغابة ولمست ثقة المنظمين تأكدت أنني سأنجز العمل».

بدأ كركلا بالعمل على أساس تقديم عرضٍ يرتكز على الصوت والأضواء لمدة ربع ساعة، لكن الأفكار تطوّرت فتبدّلت طبيعة العمل وامتدّ لساعة وعشر دقائق.

تطلّب العمل جهداً مضاعفاً وتم إنجازه في ثلاثة أشهر وصل خلالها فريق العمل الليل بالنهار. يؤكد المخرج إيفان كركلا أن العرض جديد كلياً ولا يتضمّن أي قطعة موسيقى أو كوريغرافيا معروضة سابقاً. وعن مضمون العمل يقول: «إنه تحية لشجرة الأرز شجرة الحياة والخلود وهوية لبنان، يجسد العمل علاقة الانسان بالطبيعة بعناصرها الأربعة: الهواء، الأرض، الماء والنار في توليفة غنائية راقصة تجمع ما بين الحقيقة والخيال وبين الفانتازيا والتراث برؤية فنية معاصرة تتناغم مع غابة تنورين من خلال السينورافيا والتقنيات».

الغابة

يستند العمل إلى روحيّة أسطوريّة تجسّد التناغم والتنافر بين الإنسان والطبيعة كما تنقل حياة الغابة في غياب البشر. يروي كركلا تبلور الفكرة قائلاً: «خلال زيارتي للغابة وبعدما حلّ الظلام شعرت أن الغابة تعيش وتبقى مستفيقة عندما يغادر الجميع. وظّفت هذه الأجواء في العمل عبر حوارات الجنّ وشيخ الغابة».

عن اختلاف الرؤيا بين آخر عملٍ قدّمه كركلا في ساحة الشهداء وبين العمل في رحاب الطبيعة يقول: «في الغابة ممكن ان ألامس الخيال والأسطورة، في ييروت كان التركيز على التاريخ، والسينوغرافيا كانت متمحورة حول ساحة وتمثال الشهداء. أما في تنورين فهوية الغابة والمنطقة وعلاقة الانسان بالبيئة فرضت نفسها على العمل فشكّل الأرز الجزء الأساسي من السينوغرافيا والقصة».

لا يصنّف المخرج إيفان كركلا «الغابة المسحورة» ضمن أعمال مسرح كركلا مؤكداً أنه لا يقلّ أهميّة عمّا يقدّمه المسرح خاصة أنّ فريق العمل يتشكّل بغالبيته من صنّاع هذا المسرح فالسيناريو لإيفان كركلا، الشعر لطلال حيدر، الحوارات المسرحية لجورج خباز في تعاونه الثاني مع إيفان كركلا لخلق نوعٍ من المسرح الغنائي المعاصر. الكوريغرافيا لأليسار كركلا والراقصون من فرقة معهد أليسار كركلا، أمّا الموسيقى من تأليف المستشار الموسيقي لفرقة كركلا محمد رضا غولي والأزياء من مسرح كركلا والتنفيذ لفاتن مشرف.

في الشقّ الغنائي يمثّل كلّ مطربٍ عنصراً من عناصر الطبيعة: الماء لهدى حداد، الريح لعبير نعمة، النار لجوزيف عازار والأرض لسيمون عبيد. يقدّم كلّ عنصرٍ وظيفته غنائياً وتجتمع العناصر الأربعة في مقطع مشترك تعبر خلاله عن غضبها على الانسان كما أوضح كركلا.

يؤدّي الممثل رفعت طربيه دور شيخ الغابة المستوحى من شخصية حارس الغابة «هامبابا» في أسطورة جلجامش، تمنحه الطبيعة حياة الخلود مكافأة على اهتمامه بها ويصبح الجنّ من سكّان الغابة بمثابة أولاد له. تقابل شخصيّة طربيه المتصالحة والمتماهية مع الطبيعة شخصية مالك الارض والإقطاعي البعيد عن الانسانية التي يجسدها الممثل غابريال يمين. أمّا أهل القرية فيجسد أدوارهم الممثلون: علي الزين، خالد السيد وفادي الرفاعي.

الهوية

يشكّل الارتباط الوثيق بين عمل «الغابة المسحورة» والطبيعة الخضراء انعطافة في أعمال المخرج إيفان كركلا المرتكزة بغالبيتها على الطبيعة البدوية والطابع التراثيّ، لكنّه يؤكد أن الطبيعة واحدة في مختلف تجليّاتها: «علاقتي وثيقة بالطبيعة والخيل والبدو، وأبقى إبن بيئتي البعلبكية. مهما سافرت أو تعلمت في الخارج، أعود دائماً الى هويتي إلى التراب الذي كنت أسير عليه حافي القدمين عندما كنت طفلاً. وعلى الرغم من أن الطبيعة التي أنتمي إليها أقرب إلى البادية والطبيعة التي أعمل في ظلها اليوم جبليّة وخضراء غير أنني لم أجد نفسي غريباً عنها لأنني إبن الطبيعة ويسعدني أن اقدّم عملاً مختلفاً عن اعمالي السابقة». يضيف كركلا: «الطبيعة وجدت قبلنا وستكمل من بعدنا، نحن مجرّد زوار لا نملك شيئاً. إذا تصرفنا بشكل جيد مع الطبيعة ستكافئنا، أمّا إذا آذيناها فستؤذينا، علينا أن نتعايش مع بيئتنا».

يعتبر المخرج إيفان كركلا أن انطلاق مهرجان «أرز تنورين» بعملٍ من توقيعه هو مدعاة للفخر لأنه سيكون مرجعية للسنين المقبلة، ويشكر الوزير حرب وعقيلته على ثقتهم وأهالي تنورين على لطفهم وكرمهم قائلا: «المكان رائع وسكّانه أيضاً».

بموازاة العمل بدأ كركلا التحضير لرحلة مهمة لمسرح كركلا الى دار الأوبرا في بكين، وهي المرة الأولى التي تدخل فيها فرقة عربية إلى الدار الصينية، لتقديم أربع ليالٍ، العام المقبل. تتحضّر الفرقة أيضاً لتقديم عملٍ جديد لجمهورها في لبنان يقول عنه المخرج إيفان كركلا: «حتى ولو نجحنا في الخارج وعلى مستوى عالمي يهمنا ان ننجح في بلدنا وأمام جمهورنا».

المصدر: السفير

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى