جهاد الأطرش: راوي الحبّ و«دوق» اللغة العربيّة

الجسرة الثقافية الالكترونية
*فاتن حموي
إنّه ممثّل انتقائي في خياراته الفنيّة، ويذهب حدَّ التماهي مع أبعاد أدواره الإنسانيّة. بدأ جهاد الأطرش مسيرته المهنيّة في العام 1962، من خلال عمل إذاعي بعنوان «قلب في عاصفة»، ثمّ في مسلسل «ابن شارع». يُعدّ صوته علامة فارقة في دبلجة الأعمال التربويّة والعلميّة والتاريخيّة والكارتونيّة، خصوصاً من خلال شخصية دايسكي دوق فليد بطل سلسلة «غرندايزر ــ مغامرات الفضاء». هو عاشق للغة العربيّة، يوظّف خبرته الطويلة لتدريب عدد كبير من المذيعين والمذيعات على فنّ الإلقاء والأداء وتحسين الصوت. خلال شهر رمضان، كانت له إطلالة مميّزة بدور رفيق، الراوي وقائد الفرقة الموسيقيّة في مسلسل «تشيللو». طول حلقات العمل، يتذكّر تفاصيل علاقة الحبّ بين ياسمين (نادين نجيم)، وآدم (يوسف الخال)، ويسرد تفاصيلها، بما أنّه كان عرّاب تلك العلاقة، وصاحب التشيللو الذي يحمل اسمه، ومحرّك الأحداث.
يقول الأطرش لـ «السفير» إنّه وافق على أداء الدور لأنّ الشخصيّة لفتته بنضجها. «يعي رفيق أهميّة المشروع الموسيقي التطويري، كما أنّه صاحب همّ اجتماعي وثقافي، ويظهر في أكثر من مكان نصيراً للمرأة، منحازاً لحقّ ياسمين المطلق في تقرير مصيرها بنفسها، بما أنّه أشرف على تربيتها بعد وفاة والدها، كما أشرف أيضاً على تربية آدم، وفعل المستحيل للدفاع عن حبّهما». ويتغلغل الأطرش في سبر أغوار الشخصيّة بالإشارة إلى أنّ رفيق «انسحب بهدوء من المشهد عند مرضه، وانزوى ليطبّب نفسه، مانحاً آلته لياسمين، كأنّه كان يدرك ما ستؤول إليه الأمور لناحية احتراق المسرح الذي بناه الحبيبان، لكنّه بقي يتابع قصّتهما ليس كراوٍ بل كمعلّق على الأحداث».
يرى الأطرش أن الصراع بين الحب والمادة في المسلسل، شأن يهمّ الفئات العمرية كلّها، مشيراً إلى أنّه لمس «تشوّقاً كبيراً لدى للجمهور لمعرفة النتيجة». ويضيف أنّه سعيد بالتعاون مع المخرج سامر البرقاوي لما يتمتع به من دقّة. «آمل أن يصبح الإنتاج اللبناني بحجم إنتاج هذا المسلسل من النواحي كافة. وجدت أن المخرجين السوريين حريصون على تصوير المشهد بدقّة، وعلى خلق تناغم بين فريق العمل التقني، إلى جانب الإعداد الممتاز لتصوير كلّ مشهد».
يعتبر الإذاعي المخضرم الذي بدأ مسيرته من الإذاعة اللبنانية أن هذه الإذاعة تراجعت للأسف. «الإذاعة الوحيدة التي تقدّم التمثيليّات الإذاعيّة هي «إذاعة النور»، وقدّمتُ عبر أثيرها خلال شهر رمضان برنامجاً ثقافياً بعنوان «قصص من القرآن الكريم»، وأُسعَد حين أسمع ردود فعل إيجابيَّة حول هذا النوع من الأعمال».
طُلب الأطرش للعمل خارج لبنان في مجال التمثيل مرات عدّة، لكنّه رفض بسبب انشغاله بمشاريع تدريب عدة. «رفضت كوني مرتبطاً أدبيّاً في إيصال عدد من الإعلاميِّين إلى الشاشات من جهة، ومن جهة أخرى، أختار أدواري بعناية، وأعتبر أنّ كلّ الأدوار التي قدّمتها ذات قيمة فنيّة وإنسانيّة، على سبيل المثال دوري في «خطوة حب» حيث أديتُ دور أب يشجّع ابنه على الزواج من شابة معوّقة على كرسي مدولب، لأنّها ناجحة وغير منتقصة الحقوق. السبب الوحيد لقبولي أيّ دور، هو أن يحمل قضيّة».
آخر أعمال الأطرش على المسرح كان مسرحيّة «جبران لوحة عمر» للمخرج جو مكرزل العام 2010، ابتعد بعدها عن الخشبة، «فالأعمال المسرحيّة قليلة ونادرة والعروض الماديّة للعمل فيها لا تناسبني»، بحسب تعبيره. كذلك الأمر بالنسبة للسينما، إذ إنّه يجده نادراً، ومحصوراً بعدد قليل من الوجوه إن وجد. وعلى صعيد البرامج التلفزيونيّة، يلفت إلى أنّ «تلفزيون لبنان» كان الوحيد الذي يوزّع الأعمال على الشاشات العربيّة في السابق. «كانت أعمالنا التلفزيونية من مسلسلات وبرامج تغني الشاشات العربية كلّها، وقدّمنا مسلسلات عن العلماء والفلاسفة والشعراء العرب، وكل ما يمتّ إلى التاريخ والثقافة بصلة، وقد أدّيت وبكلّ اعتزاز أدوار عدد كبير من الشعراء العرب. وكان المشاهدون العرب يتلهّفون إلى هذه الأعمال، وكان الطلّاب يتهافتون على متابعة «مجالس الأدب»، أين نحن الآن من البرامج التي تولي التلاميذ اهتمامها؟ كانت هناك سياسة للطلاب الثانويين في البرمجة التلفزيونية، ولطالما سمعت أن فلاناً نجح بسبب شخصية الغزالي التي قدّمتها عبر الشاشة في امتحان عنه. نحن بحاجة اليوم إلى برامج ثقافية وتربوية، وكل ما لدينا هو برامج تسلية، علينا إرساء التوازن في نوعية البرامج».
حين نسأل الأطرش عن رأيه في الاستخفاف باللغة العربية المنتشر عبر وسائل الإعلام المسموعة والمرئية، تكون الحال كأنّنا نثرنا الملح فوق جرحٍ يؤلمه. يردّ: «تهمني اللغة العربية، ومن المعيب أن يخطئ مذيعون ومذيعات يزاولون المهنة منذ سنوات طويلة. هناك كمّ كبير من الأخطاء عبر الشاشات والإذاعات، ولا نجد أخطاء في اللغات الأخرى كما يحدث بالنسبة إلى اللغة العربية. نحن بحاجة إلى الاطلاع على قواعد اللغة وإحياء ذاكرتنا، من دون نكران أنّ اللغة العربيَّة هي من أصعب اللغات في العالم من حيث الأحرف المرقّقة والمفخّمة على سبيل المثال». يضيف: «العازف إذا غاب أسبوعاً عن استعمال ريشة عوده، يشعر بثقل في يده، فما بالنا باللغة. علينا احترام لغتنا واحترام لفظ الأحرف، ثاء وسين، ذال وزاي. هناك أصوات كثيرة في لغتنا، وكلّ حرف يعبّر عن صوت معيّن، وآمل أن يحترم الجميع اللغة، وأن يتعاون جميع العاملين في مجال الإعلام مع أساتذة لغة عربيَّة لأنّنا نربّي أجيالاً من خلال الإعلام، واللفظ الخطأ يتركّز في الأذهان للأسف».
في رصيد الأطرش إلى الآن، أكثر من 20 ألف عمل إذاعيّ. «توقّفت عن العدّ بعد الوصول إلى هذا الرقم.. وما زلت مستمراً في إعداد البرامج والمسلسلات الإذاعية إلى الآن. كان لبنان في الماضي مصنعاً كبيراً واستوديو كبيراً لتسجيل البرامج». ويختم بالقول «أين نحن اليوم من ذاك الماضي؟».
المصدر: السفير