شعراء بلا جمهور وقصيدة النثر «ممنوعة»

الجسرة الثقافية الالكترونية
*أحمد خميس
المصدر: الحياة
حين اتخذت الجامعة العربية عبر منظمة «ألكسو» قرارها المتأخر بجعل الحادي والعشرين من آذار (مارس) يوماً للشعر العربي، بموازاة الإعلان العالمي لمنظمة «يونسكو»، كانت تضع في حسبانها العلاقة التاريخية الوثيقة بين العرب وهذا الفن الرفيع الذي جعلوه عنواناً لهويتهم وهادياً لمسيرتهم الطويلة عبر الزمن. ولم يكن اختيار العاصمة المصرية لكي تستضيف دون سواها من العواصم المقترحة أمراً من غير دلالة، بل أخذت الجامعة في الاعتبار كون القاهرة إحدى المراكز الأهم للثقافة العربية منذ عصر النهضة. وقيل إن الناقد المصري جابر عصفور لعب، بوصفه وزيراً للثقافة آنذاك، الدور الحاسم في اختيار القاهرة لاستضافة الاحتفال بالشعر ويومه العربي.
لكن ما أثار الاستغراب في هذا السياق هو عزوف الجمهور المصري عن المشاركة في الحدث، بحيث لم يتجاوز عدد الحضور في الحفلة الافتتاحية، التي أقيمت في معهد الموسيقى العربية، بضع عشرات من الموكلين بالتنظيم أو المحبين للشعر. وخصصت الليلة الأولى برمتها للكلمات الرسمية والبروتوكولية التي قدمها كل من وزير الثقافة المصري وضيف الشرف عبدالعزيز البابطين والشاعر المصري أحمد عبد المعطي حجازي، نيابة عن الشعراء، على رغم عدم مشاركته في الأمسية اللاحقة، إضافة إلى عبدالله محارب، المدير العام للألكسو. وبدلاً من أن يتوزع الشعراء الستة المدعوون على أمسيتين اثنتين خصصت الليلة الأولى برمتها للخطب الإنشائية، وأنقذها من البرودة الصوت الأصيل والماسي للمطربة التونسية نبيهة كراولي التي أنشدت بعضاً من قصائد الفصحى من تراث أم كلثوم وفريد الأطرش ونجاة الصغيرة وغيرهم.
وأمام جمهور لا يتجاوز أصابع اليدين قرأ النقاد في اليوم التالي، وفي أصغر قاعات المجلس الأعلى للثقافة أوراقهم التي أعدوها حول دور الشاعر العربي في الأزمنة الراهنة، وحول مستقبل الشعر وأهمية الشعراء الإحيائيين في التمهيد للحداثة. وقد تميز من بين هؤلاء أمين فرشوخ وشكري المبخوت وخالد بلقاسم وماجد السامرائي ومحمد الغزي وعلي جعفر العلاق. أما المترجم التركي محمد حقي سوتشين فكشف النقاب عن هشاشة الترجمات التركية للشعر العربي، داعياً إلى إخراج الترجمة من عهدة الصداقات الإخوانية والعلاقات العامة ووضعها بين يدي المؤسسات المتخصصة.
ومع أن جمهور الشعر كان أكثف بقليل من جمهور الجلسات النقدية الأربع التي أرهقت المشاركين والحضور على السواء فبدت خريطة التجارب المقدمة بعيدة عن التنميط الأسلوبي الذي حذر منه الناقد محمد فتوح أحمد، ومتغايرة في موضوعاتها وهواجسها وقربها من الحداثة.
فالشاعر الأردني حيدر محمود واصل عزفه على وتر القصيدة العمودية المألوفة والتي باتت رتيبة وخالية من الجديد، قدم الشاعر العراقي علي جعفر العلاق مقطوعات قصيرة ذات إيقاع هادئ ومتماثل النبرة، وقرأ الشاعر السعودي علي الدميني قصائد عدة تجمع بين الأسئلة الجادة والإيقاع الإنشادي. الشاعر المصري محمد إبراهيم أبو سنة قرأ قصائد قديمة وأخرى جديدة لم تخرج عن سياق تجربته السابقة. وفي حين تفاعل الجمهور مع المقطوعات المتنوعة و«التجريبية» للشاعر التونسي محمد الغزي صاحب التجربة اللافتة في القصيدة التفعيلية استطاع الشاعر اللبناني شوقي بزيع أن يثير حماسة الحاضرين من خلال قصائده الدرامية ذات العصب المتوتر والإيقاعات المركبة والمروضة. لكن ما بدا غريباً في الاحتفالية هو الغياب التام لقصيدة النثر التي يبدو أن الجامعة العربية لم تضمها بعد إلى عالم الشعر. ولعل هذا ما ساهم في غياب الشعراء الجدد والشباب عن المهرجان ومقاطعته حتى إعلامياً وتجاهله، فلم تكتب الصحف عنه ولم تهتم بالشعراء الضيوف.